Al Jazirah NewsPaper Tuesday  19/02/2008 G Issue 12927
الثلاثاء 12 صفر 1429   العدد  12927
ما هو أخطر من عدم الوفاء بوعود البيع على الخريطة
د. عقيل محمد العقيل

شدتني مقالة الدكتور عبدالرحمن الزامل (لنتعلم من دبي) حيث حذر سعادته من خطر مدلهم يحاصر السوق الإسكانية في بلادنا بعد توجه الكثير من الشركات العقارية المطورة التي تعتمد البيع على الخريطة كصيغة تمويلية أساسية لتمويل مشاريعها العقارية بعد أن أخفق بعضها بالوفاء بوعوده في سوق دبي العقارية.

ولا شك أن البيع على الخريطة يعتبر صيغة تمويلية يلجأ لها المطورون العقاريون بهدف تمويل مشاريعهم العقارية من المشترين الذين يأملون الحصول على خصومات مناسبة مقابل السداد المبكر لوحدة عقارية يتم استلامها بعد مدة محددة من الزمن، ويلجأ المطورون العقاريون لهذه الصيغة التمويلية وإن كانت صيغة تمويلية مكلفة (خدمة الدين فيها قد تتجاوز الـ20%) لسهولتها دون الحاجة لموافقة الجهات المنظمة للتمويل سواء من المؤسسات المالية أو من السوق المالية مثل هيئة السوق المالية أو مؤسسة النقد العربي السعودي.

وأنا أتفق تماماً مع الدكتور عبدالرحمن الزامل على ضرورة حماية السوق العقارية عموماً والإسكانية على وجه الخصوص من خطر الشركات العقارية المطورة التي تعتمد صيغة البيع على الخريطة كصيغة رئيسة لتمويل مشاريعها العقارية، أما تلك التي تعتمد على صيغ تمويلية متنوعة فلا خوف منها ذلك بأنها تستخدم الصيغة التمويلية الأمثل لتمويل مشاريعها، حتى وإن كانت تستدعي المرور على الجهات المنظمة عالية المعايير التمويلية، على اعتبار أن بعض الصيغ التمويلية أقل تكلفة بكثير من تكلفة التمويل القائم على البيع على الخريطة (السندات لا تزيد عن 7%).

السوق الإسكانية في المملكة سوق ناشئة والتي كانت تعتمد على الآليات الحكومية (أرض، قرض) بشكل كبير بدأت تعتمد تدريجياً على قوى السوق (شركات مطورة، شركات ممولة، مستفيدون، مستثمرون.. الخ)، وحكومتنا الرشيدة تدعم هذا التوجه وتعزز من آلياته، ولا شك أن صدور وتطبيق نظام الرهن العقاري الذي أوصت الحكومة بسرعة إصداره سيعزز من آليات القطاع الخاص لتعزيز قوى السوق الإسكانية لتوفير المنتجات العقارية الكبيرة والمتنوعة لتلبية الطلب الحقيقي المتزايد عليها.

وما نخشاه على تلك السوق الناشئة والواعدة بنفس الوقت نوعان من الأخطار: الأول يتمثل بتحركات عاطفية حكومية أو من أحد مؤسساتها العامة بالشكل الذي يضعف قوى السوق كأن تقوم الحكومة بالتوسع في التمويل بدلاً من دعم شركات التمويل الإسكاني الناشئة او التوسع بإنتاج الوحدات السكنية بدلاً من تحفيز الشركات العقارية المطورة لإنتاج المزيد منها، أما الخطر الثاني فيتمثل بسيادة شركات عقارية مطورة انتهازية تستهدف المستفيدين لامتصاص أموالهم دون الوفاء بالوعود (الجودة، الوقت) من خلال استغلال ثغرات نظامية كتلك التي حذر منها الدكتور عبدالرحمن الزامل مشكوراً، وهو ما يؤدي إلى فقدان الثقة بين المطور والمستفيد وهي كارثة تؤدي الى إضعاف قوى السوق الإسكانية لسنوات طويلة.وللعلم فإن بعض الشركات المطورة ولتحقيق المزيد من الأرباح تقوم بما هو أخطر من عدم الوفاء بالوعود، حيث تقوم بتضخيم أسعار وحداتها العقارية (سكنية أو مكتبية أو غيرها) من خلال إيجاد مضاربات وهمية تحقق لها هدفين بضربة واحدة، الأولى تعزيز سمعتها التسويقية حيث تدعي سرعة بيع منتجاتها العقارية في زمن قياسي، والثاني رفع أسعارها تدريجياً حيث يستدعي الشح بما هو متبقي تلهف المستفيدين لشراء المتبقي بسرعة وبأي سعر كان من قبل الشركة ذاتها أو من قبل المضاربين المتعاونين.إذن نحن أمام خطرين يا دكتور عبدالرحمن الزامل، الأول يتمثل بإضعاف قوى السوق من خلال إضعاف الثقة بين المطورين الحقيقين ذوي النوايا الحسنة والمستفيدين، والثاني يتمثل بتضخيم أسعار العقارات بفعل فاعل من خلال مضاربات وهمية وهو ما سينعكس سلباً على تكلفة تطوير كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى المرتبطة بشكل مباشر او غير مباشر بالقطاع العقاري بما يرفع من معدلات التضخم التي نعاني منها بشكل كبير حالياً.ما الحل إذن؟ طبعاً في غياب جهة منظمة للقطاع العقاري، وهي جهة من المفترض أن تكون قادرة على إصدار وتطبيق لوائح تنظيمية لكافة الأنشطة العقارية من بيع أراضٍ أو مساكن بالتقسيط أو نقداً سواء كانت مكتملة البناء أو في أحد مراحله أو على الخريطة تبقى القضية صعبة نوعاً ما، ولكن بوجود هيئة الإسكان أعتقد أنه بالإمكان إصدر لوائح من قبل هذه الهيئة الوليدة وبسرعة لتنظيم عمليات بيع المساكن في أي مرحلة من مراحلها بما يحفظ حقوق كافة الأطراف وبما لا يعيق الشركات المطورة من ناحية ولا يتيح الفرصة للمتلاعبين أو الدخلاء أو الجشعيين لإضعاف قوى السوق الإسكانية وتدميرها من ناحية أخرى.وأعتقد أن النظام الذي أصدرته إمارة دبي برقم 8 لسنة 2007م (حسابات ضمان التطوير العقاري) وتعزيزه بنظام قادر على كشف المضاربات الوهمية بقصد تحقيق أرباح فاحشة على حساب المستفيدين والمجتمع والاقتصاد الوطني كفيلان بحماية السوق الإسكانية من المتلاعبين والجشعين والدخلاء وقناصي الفرص الذين يفتقدون لأبسط الرؤى الإستراتيجية.



alakil@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد