Al Jazirah NewsPaper Tuesday  19/02/2008 G Issue 12927
الثلاثاء 12 صفر 1429   العدد  12927
(إضاءات) الشيخ عبدالله المنيع
فضل بن سعد البوعينين

ارتبطت المصرفية الإسلامية في المملكة بأسماء قلة من العلماء كان لهم الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في إرساء قواعدها، ورفع بنيانها شامخا أمام قلاع المصرفية التقليدية المتعارضة مع تعاليم الشارع الحنيف. لسنوات طويلة مضت، كان معظم العلماء يتحرجون من التعامل مع البنوك، وينأون بأنفسهم عنها لقناعاتهم الشخصية، أو تمشيا مع التيار العام المتشدد المعارض لأية علاقة مع البنوك الربوية وإن كانت بهدف التحول نحو المصرفية الإسلامية.

كان للرأي العام المتشدد مطلع الثمانينيات الميلادية، سطوة وقدرة فائقة على وأد كثير من محاولات التواصل بين العلماء و(البنوك الربوية). قلة من العلماء قبلت بمحاورة (الشيطان الربوي) ومد يد العون له، ومساعدته على تطبيق متطلبات الشريعة الإسلامية في التعاملات المصرفية؛ تجاوز هؤلاء العلماء عقبات التشدد والإقصاء إلى مرحلة رحبة من البناء والتحول نحو الصيرفة الإسلامية. كانت النتيجة مذهلة؛ بدأ قطار الاقتصاد في التحول التدريجي نحو الصيرفة الإسلامية.

في سنوات قليلة أصبحت منتجاتها قادرة على طرد المنتجات الربوية من السوق؛ رُفع الحرج عن المواطنين الذين باتوا يجدون المنتجات المالية الإسلامية بكل يسر وسهولة.

عند الحديث عن المصرفية الإسلامية يقفز اسم فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، عضو هيئة كبار العلماء، الذي كان له دور رائد في إرساء قواعد المصرفية الإسلامية في السوق المحلية, جنبا إلى جنب مع بعض أصحاب الفضيلة العلماء، وطلبة العلم الذين اقتنعوا بأن السبيل الوحيد لتحول البنوك نحو المصرفية الإسلامية يأتي عن طريق التعامل المباشر معها، وإيجاد الحلول الإسلامية البديلة لمنتجاتها الربوية .

في حديثه للزميل تركي الدخيل، في قناة العربية، أشار الشيخ المنيع إلى تحول (بنك الجزيرة) إلى الصيرفة الإسلامية التامة بعد أن كان (بنكاً ربوياً 100في المائة)، وأشار أيضا إلى نجاح البنك الأهلي التجاري في إتمام تحويل 264 فرعا إلى المصرفية الإسلامية. ما لم يقله الشيخ المنيع أنه كان سببا، بعد الله سبحانه وتعالى، في هذا التحول الكبير، وأنه كان سببا أيضا في فتح طريق تعامل العلماء مع البنوك الذي أفضى إلى وجود الهيئات الشرعية والمنتجات الإسلامية المباركة، وأنهم كانوا، بفضل الله، سببا في إنشاء القاعدة المصرفية الإسلامية التي لم تعد تقبل باستحداث البنوك التقليدية.

ما لم يقله الشيخ المنيع إن فضيلته، وبعض رجال العلم، يشترطون في تعاملهم الشرعي مع البنوك الربوية شروطا قد لا يدركها الكثير من الناس ومنها اشتراط تحول فروع البنوك الربوية في مكة المكرمة، والمدينة المنورة إلى المصرفية الإسلامية وأن تكون اللبنة الأولى في التحول الكلي نحو الإسلامية على سبيل المثال لا الحصر. وهنا تظهر حكمة العلماء، ورجال الدين في فرض التحول التدريجي الذي يكتسب، مع مرور الوقت، قوة وصلابة من خلال التجربة على أرض الواقع. التغيير الطوعي يأتي بالتدرج من خلال مد يد العون وزرع ثقة التعامل وإيجاد البدائل المناسبة لمشكلات العصر. لم يتوقف التحول التدريجي نحو المصرفية الإسلامية على البنوك المحلية بل تجاوزها إلى البنوك الغربية والآسيوية، وكثير من البلاد العربية.

الزميل تركي الدخيل حاول استثارة الشيخ المنيع بنقله قول المتخرصين ب(أن اللجان الشرعية تلبس البنوك عمايم ؟). فكان رد الشيخ غاية في الأدب والاحترام، حين قال: (في الواقع مع الأسف الشديد الافتراءات ما أكثرها, ولكن القافلة تسير ولا يضيرها من يقلقلها.. نتمنى من إخواننا الذين يقولون مثل هذا القول أن يأتوا بدلائل، أن يأتوا بوثائق، أن يأتوا بما يدل على قولهم).

الافتراءات ما زالت توجه نحو المجتهدين من أهل العلم، ممن يقضون الساعات الطوال، والأيام، في مراجعة صيغة عقد واحد، ثم يعيدون كتابته وتدقيقه حتى الوصول به إلى الصيغة الشرعية التي تبعده عن الشبهات؛ وإلى ثقات العلماء الذين يقضون جل وقتهم في الهيئات الشرعية، الرقابية، وبرامج الفتوى، والمحتسبين الذين يجتهدون في دراسة قوائم الشركات المالية لتحديد شرعية التداول فيها، خدمة للإسلام والمسلمين.

بفضل الله أولا، ثم جهود هؤلاء العلماء الثقات، تسابقت البنوك إلى التحول نحو المصرفية الإسلامية، ولا أبالغ إذا ما قلت إننا مقبلون على تحول القطاع المصرفي نحو الصيرفة الإسلامية خلال عقد من الزمان، بإذنه تعالى؛ وبجهودهم المباركة حولت الكثير من الشركات السعودية قروضها الربوية إلى قروض إسلامية لا شبهة فيها؛ وبجهودهم أيضا تم إحياء العقود الشرعية التي غيبها النظام الرأسمالي الذي فُرِض على الدول الإسلامية؛ وبجهودهم تم طرح الصكوك الإسلامية لأول مرة في السوق المحلية، وانتشرت ثقافة المعاملات الإسلامية بين الناس، ومع كل هذا الخير يُسَخّر المُفتَرون ألسنتهم وأقلامهم للنيل من العلماء الثقات دون أن يقدموا ما يشفع لهم بالحديث عن عموميات القضايا لا خاصتها.

الشيخ المنيع، جزاه الله عنا خير الجزاء، أعادني إلى مقاعد الدراسة الجامعية، قبل أكثر من عشرين عاما، حين تحملت وزر قولي (إننا في حاجة إلى مراجعة بعض المسائل الشرعية بمعزلٍ عن قائلها، إلا أن يكون قول الله ورسوله)، وكنت حينها أناقش مسألة في فقه المعاملات. تذكرت تلك المسألة بعد أن قال الشيخ المنيع ما نصه: (لا يجوز أن نقول إن الحق هو كذا لأن فلاناً قال به, ولكني أقول فلان قال بهذا الحق فهو أهل للحق, فالحق ينبغي أن يكون هو المعيار في معرفة رجل العلم, لا أن الرجل هو المعيار في معرفة العلم) وكان قولا حاسما فنَّد به تهمة (شخصنة الخلاف) مع العلماء.

برنامج (إضاءات) أضاء من خلاله الزميل المبدع تركي الدخيل عقول المشاهدين، وكانت إضاءته الشرعية باستضافة فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع إضاءة متميزة زادت من روحانية يوم الجمعة، وألبست البرنامج عمامة البركة بحديث العلماء.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244



f.albuainain@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد