Al Jazirah NewsPaper Tuesday  19/02/2008 G Issue 12927
الثلاثاء 12 صفر 1429   العدد  12927
أضواء
هدر ثروة البحر
جاسر عبدالعزيز الجاسر

حققت الجهات الاقتصادية في المملكة نجاحات باهرة في سياسة تنويع مصادر الدخل؛ لتجاوز مرحلة الاعتماد الكلي على دخل النفط، وتحويل اقتصاد المملكة من اقتصاد أحادي المصدر، بالاعتماد كلياً على النفط، إلى رفد الاقتصاد بمصادر أخرى من خلال استثمار ثروات المملكة وتنويع العمل الاقتصادي، والاستفادة من هذه الثروات بتصنيع المواد اعتماداً على الخامات الموجودة. والملاحظ أن مصادر الدخل في الأعوام الأخيرة أخذت في التنوع، وارتفاع مؤشر مصادر الدخل من غير البترول؛ ما شكَّل رافداً مهماً للاقتصاد الوطني.

ونجاح هذه السياسة حدَّ إلى حدٍّ كبير من المشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلدان النامية، ومنها المملكة، منها مشاكل التضخم، والبطالة، وندرة المخزون الغذائي، وازدياد نسبة السكان، وجميع هذه المشاكل تحتاج إلى حلول آنية ومستقبلية.

والمملكة والمسؤولون فيها تنبهوا إلى هذه الإشكاليات، ووضعوا خططاً بدأت نتائجها الإيجابية تظهر وتحقق فوائد جمة، إلا أن هناك إضافات وثروات بحاجة إلى استثمار وتنشيط أفضل، أسوة بما قامت به دول أخرى. ومن هذه الثروات (الثروة البحرية) التي تعتمد عليها دول أوروبية وآسيوية في دعم اقتصادياتها؛ فالمعروف أن أساطيل الصيد البحري اليابانية والصينية والأوروبية تجوب البحار لصيد الأسماك وبيعها ليس في أسواقهم المحلية بل في الأسواق العالمية، محققين إيرادات مهمة جداً، وتسعى هذه الدول إلى عقد الاتفاقيات للحصول على مناطق صيد جديدة. وقد اهتم الاتحاد الأوروبي بعقد اتفاقيات لتحديد مناطق الصيد البحري مع دول شمال إفريقيا، واعتبر إنجاز تلك الاتفاقيات أولوية لدى المفوضية الأوروبية. أما هنا في المملكة فتعاني مهنة الصيد إهمالاً واضحاً وعدم تفعيلها للإسهام في حل الإشكالات الاقتصادية الحالية والقادمة. فهذه المهنة، مهنة صيد الأسماك وفواكه البحر، تعد مهنة اقتصادية مربحة بكل المعايير؛ فهي تُدر ربحاً وافراً يتجاوز مردوده ما تحققه الزراعة، كما أنها تستطيع أن تمتص عدداً كبيراً من البطالة، خاصة إذا ما أُعدَّ شباب أهل الساحل الشرقي والغربي وزُوِّدوا بالمراكب والأجهزة المساندة من ثلاجات مبردة، وسيارات مجهزة لنقل الإنتاج، وتشكيل جمعيات تدير أعمالهم.

الآن في المملكة مناطق تقليدية امتهن أهلها صيد السمك، وهي ثول بين مكة المكرمة وجدة، والقطيف في المنطقة الشرقية، وجازان.. ولتكن البداية من هذه المناطق الثلاث، فيتم إنشاء ثلاث جمعيات تعاونية لصيد الأسماك تُدعَّم من البنك الزراعي السعودي الذي يتكفل بتقديم القروض، وتوضع دراسات علمية وعملية من قِبل إدارات الثروة السمكية بالمناطق الثلاث، وتنفَّذ الخطط وتدعَّم أعمال الجمعيات التعاونية من قِبل الغرف التجارية والصناعية في المناطق، التي يجب عليها دعم هذه الجمعيات بمراكب حديثة للصيد وأجهزة مساندة كإقامة مراكز تخزين مبردة، وتهيئة وسائل نقل حديثة مبردة لا تؤدي إلى تلف الصيد، وإعداد شباب من الصيادين مزودين بالخبرة والعلم. كما على إدارات الثروة السمكية والغرف التجارية حماية الصيادين السعوديين داخل المياه السعودية، ثم دعمهم خارج المياه السعودية عندما يتوسع أسطول الصيد السعودي ويصبح لزاماً التوسع للخارج.

ولوزارة العمل دور مهم في تنمية هذه الصناعة المربحة والمهملة حالياً؛ إذ من المفيد جداً الاهتمام بتدريب وتشجيع الصيادين السعوديين، وأعتقد أنه من الأجدى إعطاء مِنح أو قروض من قِبل صندوق تنمية الموارد لأي شاب سعودي بعد إعداده في دورات خاصة أو من خلال معهد للصيد البحري، حبذا لو أُنشئ في إحدى المدن الساحلية على غرار ما هو موجود في إسبانيا ودول أخرى، ويستفيد ذلك الشاب من القرض أو المنحة في شراء مراكب، وآخرون في شراء سيارات نقل مجهزة، وآخرون في إقامة مراكز بيع.

والدراسات الميدانية التي تحدَّث عنها المختصون في تنمية الثروة السمكية بوزارة الزراعة والغرف التجارية تشير إلى أن العامل في هذه المهنة يحقق دخلاً يتجاوز الخمسة آلاف ريال، وأصحاب المراكب يتجاوز ما يحققونه عشرات الآلاف، فضلاً عما تحققه مثل هذه الخطوة من دعم للأمن الغذائي من خلال إنتاجهم لكميات كبيرة من الأسماك وخيرات البحر.



jaser@al-jazirah.com.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 11 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد