Al Jazirah NewsPaper Sunday  17/02/2008 G Issue 12925
الأحد 10 صفر 1429   العدد  12925

فرز الوغى.. محسن الهزاني

 

عندما يطلق الأب المشتاق لقباً على ابنه الغائب في معارك توحيد البلاد في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز.. يستحق هذا اللقب أن يكون عنواناً لسيرة هذا الابن, وبالنظر في بعض الألقاب المشهورة لأعلام (الهزازنة) نجد أنها ألقاب مرتبطة بالدولة السعودية المباركة وقادتها منذ بزوغها فعلى سبيل المثال:

1 - أخو نوضا: عزوة حسن بن رشيد الهزاني من رجال الدولة السعودية الأولى حتى قتل في معركة غبيراء دفاعاً عن الدرعية سنة 1233هـ (1).

2 - ثعلب: لقب راشد بن رشيد الهزاني أطلقه الآغا التركي (جوخ دار) بعد محاولاته الماكرة للقضاء عليه في الدلم التي أفلت منها بذكائه, وذلك بعد مقتل أخيه (حسن) في الدرعية (2).

3 - راعي الصفراء: وهي فرس سعد بن زيد بن راشد الهزاني من رجال الدولة السعودية الثانية وصلت شهرة فرسه الإمام فيصل بن تركي فاشتراها منه (3).

4 - راعي المرشومة: وهي بندق عبد الله بن عثمان الهزاني أحد كوكبة الفرسان الستين مع الملك عبدالعزيز في استرداد الرياض سنة (1319هـ) (4).

5 - مقشم الهيل: لقب رشيد بن حسن بن رشيد الهزاني أطلقه الملك عبدالعزيز لكرمه (5).

6- الأمير: اشتهر به عبد الله بن علي المشعان الهزاني لتوليه عدة إمارات في الجنوب (6).

أما حديثنا فعن فرز الوغى (محسن العبيد الهزاني ) وإن كان هذا اللقب ليس خاصاً فكثيراً ما يرد في مدح الشجعان ومعناه: بطل المعارك, إلا أن في وصف الأب لابنه تميُّزاً فريداً وطعماً خاصاً.

هو عبد المحسن (محسن) بن عبد الله (عبيد) بن حمد آل ناصر آل حمد الهزّاني, ولد في حائل عام 1335هـ, ونشأ في بيت فروسية وشجاعة وكانت علامات النجابة بادية في محياه منذ نعومة أظفاره بل إنها تبدو جلية لكل من نظر إليه, فعرف بهذه الصفة بين أقرانه, وكان يسابق الزمن لإثبات تلك الصفة, فسبق الزمن وأنّى للزمن أن يسبق الإرادة القوية والهمة العالية.

فقد اشترك صغيراً مع أخيه (زيد) (8) ضمن الجيش السعودي في حرب اليمن عام 1352هـ, وبالرغم من صغر سنه إلا أنه كان يؤمر على السرايا حيث التوغل في جبال الجنوب الخطرة وهو ابن 18 سنة, مما جعل أمير جيزان في ذلك الوقت حمد بن عبد الله الشويعر يخاطبه بخطاب (الأبوة) ليحيي في هذا الفارس الصغير عظم المسؤولية وأنه خصّه بها دون غيره ممن هم أكبر سناً في الجيش.

نص الرسالة: (من حمد بن عبد الله الشويعر إلى المكرم الولد عبد المحسن الهزاني.. سلمه الله..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام.. والسؤال عن أحوالكم الكرام ما زلتم بخير وسرور, نقدم لكم كتاباً وبه من التعريف كفاية لا بده إن شاء الله وصلكم وابتديتم أنتم والأمير خالد بن ناهض في إرجاع ما يدعونه رعايا الإمام يحيى عند رعايانا وإن إفادتكم قادمة إلينا وأيضاً لا بدكم قد أنجزتم استلام زكاة آل تعميد فالمقصود أنت ما تحتاج وصاة بالمسايرة وأخذ خاطر الناس والمساعدة والمعاضدة مع الأمير خالد بن ناهض ونحن ما نزيدكم وصاة بالصبر وترك العجلة والرفق والصمت وإن شاء الله ينقضي ما أمرناكم به على وجه المطلوب نحن خشينا إن زهابكم ينقص عليكم وأوصلنا زهاب برفقة عبد من أخويا خالد بن ناهض استلموها من المذكور وعرفونا بوصولها يكون معلوم).. 13محرم 1353هـ أمير جيزان (الختم).

وما عازكم من اللوازم اقضوها من عندكم وكذلك العشره أخويا الحميدي إن كان نقص عليهم شيء ما افطنوا لهم لا تخلونهم يحتاجون شيء)ا.هـ

ونلمح في ما سبق حرص هذه البلاد منذ توحيدها على الرقي في تعاملها مع الدول المجاورة ومهما ذكرنا في حق (محسن) فلن يكون أبلغ من شهادة أبيه, كيف لا؟! وقد خرج من صلبه وتربى في حجره ثم درج بين يديه طفلاً ثم صبياً ثم رجلاً يراقبه لحظة بلحظة ويكبر بين عينيه, فهو خير من يحكم ويقيّم ابنه وفلذة كبده..

وهذا ما عرفه وشهد به والده في رسالة أبوية تقطر عفوية صادقة (نثراً وشعراً) عندما طال غياب ابنه في ساحات الوغى في جنوب المملكة حيث بث فيها أشواقه ذاكراً أن فراسته قد صدقت في ابنه (محسن) مذ كان عمره (خمس سنوات) حيث كان يتوسم فيه صفات الفروسية تكبر معه فوصفه ب(فرز الوغا).

وأرسل الشيخ عبد الله بن حمد الهزاني هذه الأبيات من حائل إلى ابنه محسن في الجنوب قال فيها:

يا (محسن) مالجلج الجفن بالنوم

محتال يا (فرز الوغا) في منامي

والقلب من كثر الهواجيس مهموم

ستين هاجوس توراد اشمامي

يا طير شلوى يا زبن كل مضيوم

يا شوق غطروفٍ نهوده زوامي

اليوم أنا يا بوك من البين مضيوم

والحيل كمّل والليالي هيامي

وترى لذة الدنيا سواليف وعلوم

وصيورها بتنقضي كالحلامي

وسلّم على اللي بهم العرف مفهوم

الشيخ أبو ناصر بعيد الملامي

وعرّض سلامي اليا فتى الجود ملزوم

وعرّض كلامي وبلّغه بالسلامي

قيلت هذه الأبيات في 15 ذي القعدة 1353هـ كما في نص الرسالة.

وقد طالت غيبة محسن الهزاني في الجنوب فأرسل إلى والده في حائل رسالة تجلى فيها برّه بأبيه, وعمق محبته وطاعته, يلاحظ ذلك من خلال تفننه في اختيار ألطف وأرق وأجمل العبارات الأدبية.. نص الرسالة:

(بسم الله الرحمن الرحيم)

إلى حضرة جناب عالي الجناب الفاضل الأجل سيدي الوالد عبد الله بن حمد الهزاني - أدام الله بقاءه وجعل الجنة مثواه -.. آمين

بعده أهدي واجب التحية والاحترام والسلام التام اللائق عليكم ورحمة الله وبركاته وأشرف وأزكى تحياته على الدوام, أدام الباري علينا وعليكم نعمة الإسلام مع السؤال عنكم وعن عزيز خاطركم دمتم في خير وعافية نرجو الباري في وصول جوابنا هذا وأنتم في كامل صحة وسرور فإن سألتم عنا فحنا من فضل الباري أحوالنا تسركم من كافة الوجوه نحمد الله ونرجو دوامها علينا وعليكم.

بعده نخبركم أننا طبينا جيزان مع ابن ماضي (9) ولي باقي أعمال في جيزان إن شاء الله تنتهي ثم نتوجه لكم.

بعده والدي نرجو من جنابكم الشريف البعارين لا يصير عليهن شيء تراهن الجيش ما عندنا غير الله ثم هن لأنهن رأس مال ومن أجي إن شاء الله (..) وهن لله ثم لك.

بلغ سلامنا للأخ حمد وزيد وناصر وسعد العصفور وعلي وفريح وعياله وعقيل وعلي وسالم وسليمان بن محمد وفهد بن ناصر وجار الله بن فهد ومحمد لزيمع وسعد العميري وناصر العديلي ومحمد العجلان وصالح الشومر والمعجل وإبراهيم وكافة الجماعة وفريح العصفور كما منا الأمير والجماعة يسلمون وكاتب الخط فالح بن عبد المحسن العتيق 28 رجب 1355هـ الولد المخلص عبد المحسن بن عبد الله الهزاني)ا.هـ

وشاب طموح ألمعي يحمل بين جنبيه نفس أبية وقلب صارم, لن يثنيه عن تحقيق طموحه وبلوغ آماله إلا أمر عظيم!.. وهذا ما حدث لمحسن الهزاني, ففي عام 1356هـ مرض والده مرضاً يحتاج فيه إلى رعاية وعناية خاصة فآثر ملازمة والده والقيام بحقه خير قيام لينهل من معين البر العذب, حتى توفي والده راضياً عن ابنه البار.

وظل محسن الهزاني محبوباً مقدراً عند ملوك البلاد - رحمهم الله - وله المكانة الخاصة عند الملك فيصل بن عبدالعزيز منذ كان نائباً لوالده الملك عبدالعزيز في الحجاز, وكذلك كان عند أمير حائل الأمير عبدالعزيز بن مساعد.

توفي رحمه الله عام 1406هـ بعد حياة مليئة بالشجاعة والبر, وهما لا يجتمعان إلا في شخصية فذة فاستحق بجدارة لقب والده (فرز الوغا) محسن الهزاني - رحمه الله -.

له من الأبناء: محمد وصالح ويعرفون بآل محسن في حائل.

الهوامش:

(1) عنوان المجد في تاريخ نجد (عثمان بن بشر) ج1 ص400 ط4 تحقيق عبد الرحمن آل الشيخ.

(2) منهم الشيخ عبد الله بن محمد بن أحمد آل ثعلب الهزاني, من خاصة الأمير سلمان بن عبدالعزيز, توفي سنة 1418هـ, قال: (كان جدي من الموالين لآل سعود فقرر الأتراك قتله فعجزوا, ثم أعدوا وليمة كبيرة فأحس بالغدر منهم فاستخفى, فقال قائدهم: هذا ثعلب لن تقدروا عليه..), و أيضا للهزازنة في الخرج موقف بطولي مع الإمام فيصل بن تركي أثناء حصار الدلم عام 1254هـ وبعد دخول الأتراك بلد زميقة خربوا محلتهم التي تُسمى (الهزانية) فتفرقوا في: العذار والسلمية والحريق.. (ابن بشر ج2 ص171 وكتاب الدلم محمد العسكر ص42).

(3) أصول الخيل العربية الحديثة (حمد الجاسر) ص 430 (سلالة كروش الحمراء).

(4) حدثني الشيخ سعد بن راشد بن زامل الهزاني بأن المرشومة بندق عبد الله بن عثمان الهزاني لم يخطأ بها أبداً.

(5) وردت له ترجمة في مقال (رشيد بن حسن الهزاني) (مقشم الهيل) جريدة الجزيرة العدد (12645).

(6) كان أميراً على (أحد رفيدة) ثم (النماص) ثم (ظهران الجنوب) ثم (المضه) ثم (باللسمر) ثم (باللسمر وباللحمر).. وغيرها.. من بيان خدماته (1350 - 1396هـ) الصادرمن ديوان الخدمة المدنية.

(7) وردت له ترجمة في مقال (الفروسية والشيخوخة.. زيد العبيد الهزاني) جريدة الجزيرة العدد 1(2764).

(8) لعله محمد بن عبد العزيز بن ماضي, كان أمير جيزان سنة 1355هـ, تاريخ آل ماضي - ص74 .

سعد الهزاني


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد