Al Jazirah NewsPaper Sunday  17/02/2008 G Issue 12925
الأحد 10 صفر 1429   العدد  12925
عرعر اسم قديم لمدينة حديثة!!

عرعر هذه المدينة الحالمة في شمال مملكتنا الحبيبة التي تعتبر بوابة الجزيرة العربية من الشمال الشرقي، وهي اليوم حاضرة الحدود الشمالية ومركز إمارتها، وتعتبر من أكثر مدن الشمال تطوراً ونمواً.

والذي يشاهد عرعر اليوم ومكانتها الاقتصادية وازدهارها لا يصدق أن عمرها لا يتجاوز الخمسين سنة (تقل أو تزيد قليلاً)!! فهي مدينة حديثة الإنشاء وليست عريقة كعراقة بعض المدن المجاورة كالجوف وتيماء وحائل وغيرها من مدن المملكة الضاربة في التاريخ.

غير أن هذا الوصف للمدينة لا ينطبق على اسمها العريق!!!!! فكلمة عرعر الذي حملته المدينة اسماً لها لا يقل عراقة عن كثير من الأسماء في الجزيرة العربية؛ إذ هو في الأصل اسم أطلق على الوادي الذي يخترق هذه المدينة. وسبب هذه التسمية ربما لوجود نبات العرعر في هذا الوادي قديماً.

وعرعر أو عراعر كما في بعض المصادر هو اسم موضع قديم عرفه العرب منذ الجاهلية وسكنته الكثير من القبائل العربية التي سكنت شمال الجزيرة العربية، ومن أشهر هذه القبائل كلب وطي وتميم وبكر بن وائل.

وإذا عدنا إلى المصادر التاريخية فسوف نجد أن هذا الاسم ورد في أكثر من موضع، ففي الأيام بين عبس وذبيان أو ما يسمى بحرب داحس والغبراء نزل بنو عبس على ماء يقال له عراعر عليه حي من كلب، فاقتتلوا معهم. وعراعر هي عرعر الآن؛ لأن كلباً كانت تقيم في هذه الديار قبل الإسلام.

يقول محقق كتاب أيام العرب قبل الإسلام لأبي عبيدة التيمي في الحاشية عند عراعر: (الأصل عرعر، وهو الذي أثبتناه في النقائض، وذكر البكري في معجم ما استعجم: وكان قيس بن زهير إذ فارق قومه قد لقي في هذا الموضع كلباً فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهو قول عنترة: ألا هل أتاها أن يوم عراعر

شفى سقما لو كانت النفس تشتفي(1)

وفي يوم الشيطين الذي كان لبكر بن وائل على تميم وكانا في تنافس مستمر والأيام بينهما سجال وكانت ديارهما تمتد من أواسط نجد حتى أطراف العراق قبيل الإسلام وبعده. ففي ذلك اليوم يقول مقاس بن عمرو العائذي، واسمه مسهر، ومقاس لقب لُقب به بعد يوم الشيطين:

تمنيت بكرا بالعراق مقيمة

وأنى لنا بكر بأكناف عرعر(2)

يقول الشيخ حمد الجاسر رحمه الله: (عرعر: عده أبو علي الهجري من أودية كلب. وقال الهمداني في صفة جزيرة العرب: (عرعر واد لطيء). انتهى.

والجمع بين القولين أن طيئاً المجاورة لقبيلة كلب حلت بلادها، ومنها هذا الوادي، بعد ضعف قبيلة كلب وانتشار فروع قبيلة طيء بعد الإسلام.

وفي معجم البلدان لياقوت الحموي: (قال المسيب بن علس في يوم عرعر: هو القيل يمشي آخذا بطن عرعر

بتجفافه كأنه في سراول.

وعرعر هذا من أعظم أودية شمال الجزيرة وأشهرها، تمتد فروعه من قرب جبال الجوف الشمالية جيلان الشويحطية وجال الأمغر، حيث يمتد منها وادي المعتدل من أعلى روافد عرعر، ثم يأتيه من الغرب الأقرع من شرق الحماد، وتأتيه من الجنوب روافد أخرى، ثم يمر بين بلدتي عرعر وبدنة، حيث يلتقي به وادي بدنة.

ويتجه صوب الشمال الشرقي، ثم يلتقي به وادي الروثية من الجنوب.

ووادي العويصي من الغرب، ثم يمر بجديدة عرعر، على مقربة من الحدود العراقية، ثم ينعطف متجها صوب الشرق داخل تلك الحدود، فيلتقي به من الجنوب أبا القور، ويتجه الوادي شرقاً مسافة غير طويلة حتى ينتهي قرب منهل البريت، حيث تبتلعه المنخفضات الرملية هناك.

وفي هذا الوادي تقع مدينة عرعر التي أنشئت إثر مد خط أنابيب النفط، في أول النصف الثاني من القرن الرابع عشر، وهي قاعدة إمارة الحدود الشمالية، وهي مدينة في براح واسع من الأرض ممتدة الشوارع الواسعة، كثيرة السكان، قوية الحركة، يشاهد فيها المرء مختلف الأجناس من سكان الجزيرة، ومن أهل الشام، ومن أهل العراق ممن يشتغل بالتجارة، وهي في موقع هيئ لها أن تكون من المدن التجارية العظيمة؛ لتوسطها بين شمال الجزيرة وشرقها، وجوها أقرب إلى الاعتدال من أجواء وسط الجزيرة؛ لوقوعها في الجهة الشمالية.) (3) انتهى.

رحم الله الشيخ حمد الجاسر فمع أنه زار مدينة عرعر قبل عقود من الآن إلا أنه تنبأ لها بمستقبل عمراني وتجاري كبير، فكيف لو قُدر له أن يراها الآن ليرى صدق قراءته لمستقبل هذه المدينة التي تعد بحق من أجمل مدن الشمال، وهي ما زالت في تطور مذهل يلاحظه كل من يزور المدينة.

وفي الأدب الشعبي ورد اسم عرعر وواديها كثيراً، من ذلك قول الشيخ الفارس ساجر الرفدي عندما ترك نجداً وأقام في هذا الوادي:

والحمد لله سالم من شطنها

ومتكيف ما بين عرعر وأبا القور.

إنّ مدينة عرعر وما تملكه اليوم من ثقل تجاري واقتصادي وسكاني (170 ألف نسمة) مثال واضح على التخطيط السليم والجهود الحثيثة التي بذلها الملك المؤسس - طيّب الله ثراه - وأبناؤه من بعده في سبيل بناء هذا الوطن الكبير وترسيخ دعائمه وصهر مختلف تناقضاته في منظومة واحدة تقوم على وحدة الدين واللغة وتحكيم الشريعة الغراء.

ولعل مشروع توطين البادية من أعظم المشاريع التي انبرى لها الملك المؤسس طيب الله ثراه. ولا شك أن مدينة عرعر كما ذكرنا تجسد هذا النجاح الباهر.

وهنا لا يفوتنا أن نثمن الدور الكبير الذي قام ويقوم به أمير منطقة الحدود الشمالية سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد آل سعود - حفظه الله - في رعاية هذه المنطقة منذ نشأتها تقريباً، وهو الرفيق الدائم لكل خطوات مجدها وراعي نهضتها .

والذي يزور مدينة عرعر اليوم يدرك مدى تطور هذه المدينة ونموها المتواصل.

الحواشي:

1 أيام العرب قبل الإسلام.

أبو عبيدة التيمي.

2 المرجع السابق.

3 معجم شمال الجزيرة العربية.

الشيخ حمد الجاسر.

محمد بن عبدالله الرويلي



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد