كلما زرت منطقة من مناطق مملكتنا الحبيبة، أو صادف وأن حططت الرحال في مدينة من مدنها، وأينما كانت هناك فرصة سانحة لوصولي إلى محافظة أو قرية أو مركز على امتداد الوطن الغالي للاطلاع على ما خفي علي من معلومات عنها، كلما كان ذلك مصدر ابتهاج وفرح بما سأراه رأي العين من مشاهد ومظاهر على الأرض وعلى وجوه الناس من تفاعل بين أهلنا الطيِّبين هناك.
***
ولا أعتقد أن أحداً منا، زار بعض مناطق المملكة أو كلها بما تمثّله هذه المناطق من محافظات ومدن ومراكز سواء مرة واحدة أو مرات عدة، إلا وكان انطباعه عما رآه وشاهده واستمع إليه قد صاحبه في تلك اللحظات الجميلة شيء من الندم لأن معلومات كثيرة كان عليه أن يتعرَّف عليها ويلم بها مبكراً عن هذه الأجزاء الأثيرة من الوطن الغالي، فإذا به كمن فوجئ بها بعد أن ظل لسنوات طويلة يجهل الكثير من التفاصيل عنها.
***
وإذا ما التمسنا العذر لشريحة كبيرة من المواطنين في تعذر وصول مثل هذه المعلومات المهمة لهم عن وطنهم وأهلهم هناك، فإن عدم معرفة الإعلاميين والمثقفين بها تحديداً يصبح موضع تساؤل ينبغي تدارسه وتحديد أسبابه ومن ثم العمل على تقريب المسافة وتذليل العقبات - إن وجدت - للوصول إلى هذه المعلومات المغيبة عنهم وعن الآخرين في الوقت المناسب.
***
بل إن أياً منا سوف يُصاب بالخجل والشعور بالنقص إن هو سُئل ذات يوم من شخص أجنبي غريب لا يعرف عن بلادنا شيئاً يعفيه ويغنيه عن السؤال والاستيضاح عن معلومات يود أن يتعرَّف عليها، فإذا به يجد المواطن السعودي مثله ولا يتفوق عليه في ذلك، وأنه يماثله ويساويه في محدودية المعلومات عن ربوع بلاده، بما في ذلك المثقفون والإعلاميون منهم وهذا هو حالنا جميعاً إلا فيما ندر مع شديد الأسف.
***
والاعتراف بهذا الواقع ربما قادنا إلى تشجيع مواطنينا على المذاكرة الحقيقية عن تاريخ وطننا، وصولاً إلى التعرّف على كل شبر من أرض هذا الوطن، بكل ما يتصف به من صفات، وما يتميّز به من تاريخ ورجال، ضمن سلسلة من كلام ينصف الوطن وأبناء الوطن حين يقال من غير ادعاء أو مبالغة أو كلام لا يتفق مع الواقع.
***
خطر كل هذا في ذهني، بينما كنت في منطقة الجوف، أقضي للمرة الأولى مع زميلي الدكتور هاشم عبده هاشم والأستاذ جميل الذيابي ساعات محدودة ودافئة بين أهلنا هناك، بدعوة كريمة من مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية، ومتابعة دقيقة من أخي الدكتور زياد عبدالرحمن السديري، واستقبال حافل وكرم أصيل من وكيل الإمارة في منطقة الجوف الأستاذ أحمد بن عبدالله آل الشيخ، وكل الأهالي والمسؤولين هناك، بما حرَّك مشاعر الشوق والحنين لدى كل منا نحو هذه الديار، قبل وبعد أن عاد كل منا إلى وجهته التي قدم منها.
***
ولا يمكن لي أن أنسى - إن نسيت - لطف من التقينا بهم من أهالي منطقة الجوف، وفرحهم بنا كما هي عادتهم مع من يأتي إليهم، وكيف وجدنا صعوبة في التخلص من إلحاحهم بأن نمضي من الوقت أطول مما تم الاتفاق عليه لمناقشة موضوع (صحافة الأقاليم) بدعوة من مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية، وما صاحب ذلك من شعور حقيقي ومحبة صادقة من طرفينا وكأن بعضنا يعرف البعض الآخر منذ سنوات، وكأن اجتماعات ولقاءات سابقة قد تمت فيما بيننا من قبل وليس هذا هو أول لقاء بين ثلاثتنا وهذه النخبة الرائعة من أبناء الوطن.
(يتبع)