في صحيفة (الجريدة) الكويتية تأمَّلت تلك الصفحة الكاملة التي امتلأت بصور إحدى الممثلات الشهيرات، وضمَّت عبارات كثيرة من الإشادة والإطراء للدور الفنِّي الكبير الذي قامت به في مسيرتها الفنية المليئة بالأعمال الناجحة التي كانت نجمتها اللامعة، وبطلتها الأولى التي فتنت الجماهير.
صفحة كاملة تضمَّنت صوراً نادرة لهذه الفنَّانة التي باركتها وهي في سنِّ الخامسة أم كلثوم، وقالت لأمها: ابنتك هذه (لَهْلُوبة) سيكون لها مستقبل باهر في عالم الغناء والتمثيل، كما باركها عبدالحليم حافظ وأعطاها سلسلته الخاصة بفصِّها الأخضر الثمين قائلاً: تذكريني إذا أصبحت من مشاهير الفنّ.
وماتت أم كلثوم، ومات عبدالحليم حافظ، وانغرست في عقل الطفلة الباطن تلك الكلمات فاندفعت في عالم التمثيل يدفعها إلى النجاح مستواها الفنِّي وجمالها وذكاؤها ورشاقتها، ومضت بها السنوات من نجاح فنِّي تمثيلي إلى نجاح، ومن إبداعٍ في هذا الطريق إلى إبداع، ومن تفوُّق في موازين أهل الفن إلى تفوُّق.
نعم انطلقت في هذا الطريق الذي يخطف بريقه الأبصار، وتطمس أضواؤه البصائر وينسى الإنسان نفسه حتى يستيقظ ذات يوم.
أشارت صفحة الجريدة إلى أنَّ هذه الفنَّانة التي كان عمرها خمس سنوات حينما أشادت بها أم كلثوم وعبدالحليم حافظ قد وصلت اليوم إلى قمَّة النجاح، فأعلنوا عن فوزها بجائزة كبيرة في هذا المجال، وصفَّق الناس الذين حضروا حفل الجائزة لاسمها طويلاً، وتلفَّتوا يميناً وشمالاً باحثين عنها، فلم يروها، وفوجئوا برسالة من سطرين يقرؤها مقدِّم الحفل تضمنت اعتذاراً حزيناً من الفنانة عن الحضور بسبب المرض الذي ألمَّ بها وحال دون ذلك.
ثم ذكرت الجريدة التفاصيل: أصيبت الفنَّانة بالسرطان الذي انتشر في جانب من وجهها والْتهم بعض أعضاء هذا الوجه الحَسَنْ، وهي في ليلة الاحتفال بين يدي عدد من الأطباء أزالوا ذلك المرض وأخذوا شرايين من أجزاء أخرى من الجسم وزرعوا أنبوبة للتذوُّق (أنبوبة صناعية)، وأخذوا قطعاً من عضلات الجسم الأخرى وعظامه لتعويض ما تلف من عضلات هذه الفنانة وعظامها، وظلَّتْ بين يدي الأطباء 17 ساعة، وهي ما تزال في غرفة العناية المركزة، ينتظرون النهاية التي سيكتبها الله لها، وكلهم أملٌ أن تعيش من أجل ابنتها الوحيدة (لولو) التي قالت قبل إجراء العملية: إنها تتمنَّى أن تعيش بجوار ابنتها ومن أجلها فقط. والله أعلم بما يكون، وطاب للجريدة أن تطلق على هذه الفنانة التي كانت تلقَّت ب(نجمة الأفراح) لقباً آخر هو (نجمة الأحزان).
ونقول: المرض ابتلاء للإنسان، وأجره عظيم لمن صَبرَ، ولا يملك أحدٌ من البشر إصابة أحد بالمرض أو شفاءَه منه إلا بإذن الله، والناس جميعاً معرَّضون للأمراض المختلفة، وطوبى للصابرين المحتسبين.
الذي استوقفني من هذا الموضوع قول الفنانة (أتمنى أن أعيش من أجل ابنتي فقط) هكذا تلخِّص حقيقة الفطرة البشرية التي تضيع في زحام الأضواء، والبريق، والصخب الفنِّي الذي يُصمُّ الآذان، هي في هذه اللحظة نسيت الأضواء، والشهرة، والتمثيل، وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ، وتذكرت ابنتها الصغيرة، تذكّرتْ أمومتها التي حرمها الفنُّ منها زمناً طويلاً، ويا له من حرمان عظيم.
www.awfaz.com