لم يَعُدْ الوضعُ السيئُ مقصوراً على المدنيينَ العراقيينَ، ولا أجهزة الأمن العراقية، ولا قوات الاحتلال التي دخلت العراق بحجة تخليص العراقيين مِن حكم صدام حسين فجثمت على صدورهم وجلبت لهم الفوضى الأمنية والانفلات والعوز من كل شيء حتى المياه.

لم يعد الوضع السيئ والخطر مقصوراً على العراقيين، فَكُلُّ شخصٍ يذهبُ للعراق يُعَدُّ مفقوداً حتى يعود منه، والصحفيونَ من أكثر الفئات المهنية التي تفرض عليها مهنتها الذهاب إلى العراق لتغطية الأحداث وكشف ما يجري هناك، ولذلك فإنهم أكثر عرضةً للخطر بدءاً من القتل إلى الاختطاف، إما لمساومة الجهة الإعلامية التي أرسلت ذلك الصحفي، أو لعدم رضا الجهة التي قامت بالقتل أو الخطف عن تغطية ذلك الصحفي، أو لمنعه من نشر الحقيقة؛ وهكذا ذهب العشرات من الصحفيين العراقيين والأجانب وبعضهم يُختطف ثم يُطلق سراحه بعد أن تدفع الجهات الإعلامية التي يتبعونها المقسوم.

الآن يوجد لدى إحدى المليشيات المسلحة في محافظة البصرة صحفيٌّ بريطانيٌ اُخْتُطِفَ قبل أيامٍ هو ومُتَرْجِمُه العراقيُّ الذي أُفْرِجَ عنه يوم الأربعاء الماضي بعد وساطةٍ قام بها ممثلو التيار الصدري في البصرة، فيما تعذر إطلاق سراح الصحفي البريطاني لأسباب فنية مثلما ذكر ممثل التيار الصدري.

محاولات التيار الصدري مستمرة لإطلاق سراح الصحفي البريطاني الذي يعمل في محطة سي.بي. أس. الأمريكية، ومعاناته هي تجسيد لمعاناة كل الصحفيين، وبل ولكل أهل البصرة من غير المنتمين للمليشيات المسلحة التي تتقاسم النفوذ في هذه المدينة الجميلة التي كانت تُسمَّى فيما مضى ب(ثغر العراق الباسم).

هذا الثغر الذي أصبح ثغراً حزيناً بعد أن حوَّلته المليشيات الطائفية الإجرامية إلى ساحة قتال من أجل بسط نفوذها، حيث تخوض مليشيات المهدي التي يرأسها مقتدى الصدر صراعاً دامياً مع مليشيات (قوات بدر) التي تعود إلى حزب مجلس الثورة الإسلامية الذي يرأسه عبدالعزيز الحكيم في حين يدير المدينة حزب الفضيلة الذي ينتمي جميع أنصاره إلى أبناء البصرة العرب، ولكن حزب الفضيلة تراجع مركزه إلى خلف التيار الصدري وحزب الحكيم، لأنه لا يستطيع تمويل عناصره المسلحة التي فقدت حظوتها بعد خروج وزراء الحزب من الحكومة.

وسواءٌ أطلق التيار الصدري سراح الصحفي البريطاني - إذْ كان مُخْتَطَفاً من أحد فِرق جيش المهدي - أو أقنعَ الطرف المسلح (مقاتلي بدر)، أو لم يستطعْ، فإنَّ البصرةَ ستظل مُخْتَطَفَةً من قِبل مسلحي هذه المليشيات الطائفية التي لا يتكلم الكثيرُ من مسلحيها حتى اللغة العربية.. فهل يسعى إلى تحريرها من الاختطاف؟!!...