تتهادى عواطفنا البشرية ببطء شديد نحو تلك القيم والمثاليات الرائدة (النادرة) لتحاول وبهدوء قاتل امتطاءها (قسرياً) وحتى لو لم تكن من فرسانها (البارعين).. وستظل سارية في غياهب ظلامها الدامس؛ لتحافظ على ذلك الهدوء (الكاذب) مهرولة تتمنى الوصول إلى مرادها قبل ظهور كيان الصباح (الحقيقة).
(لم يكونوا كذلك).. هذه الكلمة التي سينطق بها الزمن لو سئل عن هؤلاء البشر الذين يجبرون أنفسهم على اتباع تلك الأخلاق القيمية العالية المستوى التي لا تليق بشخصهم الضعيف فيحدث عندئذٍ الخلل عندما يتخيل هؤلاء بأنهم فعلاً كذلك!.. عندما يجبر هؤلاء أنفسهم على الكرم.. فيتبعونه بالمن والأذى.. عندما يجبر هؤلاء أنفسهم على السمت والوجاهة.. فيلطخونها بالاستعجال والاستجداء.. عندما يجبر هؤلاء أنفسهم على ارتداء الثقافة والعلم.. وهم أبعد ما يكونون عنها وليس لهم نصيب منها سوى أسمائها!.
سلوكيات متنوعة (متعددة) لا تتجاوز في محتواها (العاطفي) الثقيل تلك الأنفس البشرية (السامية) التي صنعت في الواقع من هذه الصفات الإنسانية النبيلة (النخوة، الوجاهة، الكرم, العزة...) وغيرها من تلك (المواصفات) التي تتمتع بها بعض الأنفس البشرية, حتى إن بعضها لتمتزج بذلك الكيان الإنساني فيحدث التلاحم بينهما لتكون هذه السمة أو السمات مساوية في محتواها لتلك الشخصيات المعاصرة أو التاريخية التي خلدها التاريخ فاشتهرت بهذه الصفات واشتهرت هذه الصفات بها.
ما يدفعني لهذا الحديث ما يقوم به بعض البشر من تصنع شديد وتكلف فضيع (مقزز) لإشعار الناس بوجود هذه السمات لديهم (الصفات) التي أجزم بأنها تكاد تكون غريزية لديهم فتجده بخيلاً ويتصنع الكرم، حسوداً ويتصنع النبل، ذليلاً ويتصنع العزة.. فيحدث الخلل فيشوهونها لدرجة (الثمالة) حتى إنك لتكره هذه الصفات التي يختلقونها ويفتعلونها.. ومن الطريف في ذلك الأمر أن أحد الزملاء - رعاه الله - غالباً ما كان يردد (أنا شخصية قيادية) فيجبر (الشلة) على الاستماع والإنصات إلى توجيهاته (القيادية) - علماً بأننا جميعاً في نفس السن - فإذا قال نذهب إلى المكان الفلاني مثلاً، فلا نجد بُدّاً من الذهاب إليه.. علماً بأنه من أبخل المخلوقات على وجه هذه الأرض ويدعي الكرم!.. مرت الأيام فتركنا هذا الشخص القيادي الذي لم يجد سوى مجموعة من حديثي السن يقودهم ويجعلهم يستمعون إلى توجيهاته باعتبار أنه طبعاً شخصية (قيادية)!.
بالتأكيد أنا لا أقصد من خلال هذا الكلام تخلي البشر تطوير ذواتهم وأخلاقهم.. أبداً فأنا أرمي من خلال هذا الحديث إلى عدم المبالغة والتصنع، فكثيراً ما يردد البعض لدي من الصفات كذا وكذا.. وهو في الواقع - فاهمها غلط - ينطق بها فقط من دون أن يطبق ولو جزءاً يسيراً مما تقتضيه هذه السمات (النبيلة).
أمور تحتاج إلى إعادة نظر وأمور أخرى تحتاج منا إلى إعادة ترتيب لعلنا قد نستطيع أن نصلح بعض ما أفسده (البعض).
Alfaisal411@hotmail.com