لا أعظم ولا أفضل من أن تقابل أذى السفيه الجاهل، بالمعروف من القول، إذ لا قيمة ولا جدوى من مقابلة الجهالة بجهالة أخرى، يقول الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (63) سورة الفرقان، وقال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (55) سورة القصص، وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (199) سورة الأعراف، ويقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: (الجاهل يظلم من خالطه، ويعتدي على من هو دونه، ويتطاول على من هو فوقه، ويتكلم بغير تمييز، وإن رأى كريمة أعرض عنها، وإن عرضت فتنة أردته وتهور فيها).
هذا توجيه من الله تعالى، وإرشاد لعباده المؤمنين الصالحين، وبيان من رسولنا الكريم، بعدم الانقياد وراء هوى النفس وشهوتها، في الانتقام ورد الاعتبار، من أؤلئك الذين يجهلون على الآخرين، بالقول أو الفعل، سواء كانت هذه الجهالة صادرة عن تعمد وعلم، أو عن زلة لسان، أو سوء تقدير.
ومن طبائع الأمور ومسلماتها، أنه عندما يجهل طفل أو جاهل أو عامي، أو رجل من عامة الناس، فذاك أمر يمكن تفهمه وتسويغه، وفي أحسن الحالات عدم الالتفاتة إليه أو الاهتمام به؛ لأن هؤلاء جميعا ينقصهم ما يسوغ الاعتداد بما يصدر عنهم، لكن عندما تصدر الجهالة ممن يظن أنه عالم، أو هكذا يعد نفسه، أو ساقه القدر أو الحاجة أو العلاقة إلى مكان يصنف من يعمل فيه أنه عالم، أو ممن يعرف بعلو المكانة والقدر، أو ممن يتقلد مناصب ومسؤوليات عليا، فهذا أمر عظيم، لا يمكن تصوره، فضلا عن تحمله؛ لأن لهذا الفعل غير المبرر أثره وتأثير البالغ على النفس والوجدان، وله انعكاساته السلبية على العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، واستقرارهم وترابطهم، وأمنهم الاجتماعي، فعندما تحصل الجهالة من هؤلاء، فلا شك أنها مصيبة عظمى، ورزية وبلوى؛ إذ مظنة القول أن العالم أدرى من غيره بالمقاصد، وأعرف من غيره بفهم النصوص وتفسيرها، فلا يعقل منه سوء الفهم، ولا تقبل من الزلة، إذ لديه من العلم ما يدله ويرشده ويهديه للحق، ولديه من الحكمة والرزانة ما يحول دونه ودون الزلل، وكذا الحال لمن تسنم منصبا أو مسؤولية عليا، فمقام المهمات والمناصب العليا وهالتهما، تحتم على من يقف على رأس الهرم فيهما أن يكون حكيما مدركا لعواقب الجهالة وتبعاتها، يعي أنه في مكانة لا تسمح له أن يجهل أو يتعالى على الآخرين، أو يقلل من شأن أحد، أو يتحيز لفئة دون أخرى، أو يتسفه بكلمة غير موزونة محسوبة العواقب.
ورحم الله الإمام الشافعي حيث يقول:
متاركة السفيه بلا جواب
أشد على السفيه من الجواب
والعرب تقول في أمثالها: (سلاح اللئام قبح الكلام) والإمام علي رضي الله عنه يقول: (ألسنة الحكماء تجود بالعلم، وأفواه الجهال تفيض بالسفه).
إن الجهالة، والسفاهة، والاحتقار، والسخرية، سمات لا يتصف بها كرام الرجال ولا أخيارهم، ولا يتفوهون بشيء منها، ولا يقبلونها من أنفسهم ولا على غيرهم، بل تجدها عند أولئك الذين يعانون من هواجس النقص وعقده، لذا يتسلحون بهذا السلاح البغيض الكريه اللئيم الذي يتوافق مع طبائعهم الناقصة، وسمات شخصياتهم المضطربة المريضة، ومما يغيظ هؤلاء ويكيدهم، أن تواجه قبيح كلامهم بقول: سلام سلام، لأن: مقالة السوء إلى أهلها أسرع من منحدر سائل
Ab.moa@hotmail.com