|
تحدث علماء النفس عن الخوف وتفاوت درجاته من شخص لآخر، فالشجاع يعلم ما يترتب عليه الإقدام والمخاطرة ربما أكثر من الجبان الذي يظن أنه يعلم بمدى فداحة النتائج التي تتمخض عن الجرأة المغامرة والاندفاع، وربما كان لبعض الخوف ما يبرره، بل ربما كان تقديمه على الشجاعة أولى منها، كأن يتراجع قائد عن معركة لا تتكافأ فيها موازين القوى بينه وبين خصمه، وهنا تكون الشجاعة الحقيقية التي تدار بالعقل لا بالعاطفة والتهور، وقد صدقت مقولة من قال عن الجبان ما يليق به من وصف يدعو إلى الضحك، وشر البلية ما يضحك (الجبان شخص يفكر بساقيه ساعة الخطر). |
وإذا كان هذا ما يتعلق بالقادة وإدارتهم لجيوشهم فما هي نظرة من قد يكونون من يقيم الحرب ويشعلها ويشحذ الهمم ويرفع من مستوى الجاهزية لدى القادة والجنود، وأقصد بذلك الشعراء الذين يرون ما لا يرى الآخرون، كما ورد في البيت التالي للمتنبي: |
وإذا لم يكن من الموت بد |
فمن العار أن تموت جباناً |
ولننظر إليه في هذين البيتين وهو يصف حالة الجبناء ووضاعة الجبناء، ويدرج بعدها نظرته إلى الشجاع كحكيم يصل بعمق إلى مكامن الداء ووصف الدواء الناجع له. |
يرى الجبناء أن العجز فخر |
وتلك خديعة الطبع اللئيم |
وكل شجاعة في المرء تغني |
ولا مثل الشجاعة في الحكيم |
أما جرير فيؤكد حقيقة لا جدال حولها ظناً منه أن الجبان إنما جبن لعدم إدراكه لها، وقد مرت بي مقولة رائعة تقول (الجبان يحارب عندما لا يسعه الفرار). |
قل للجبان إذا تأخر سرجه |
هل أتت من شرك المنية ناجي |
ويؤيد جريراً في بيته السابق قول شاعر آخر ربما تطابق معه في المفردة والمعنى: |
الجبن عار وفي الإقدام مكرمة |
والمرء بالجبن لا ينجو من القدر |
ولنقف أمام بيت أبي القاسم الشابي الذي ذهب مثلاً بين الناس ربما استنهضت به همة كادت تركن إلى الخوف والتراجع والإحباط: |
ومن يتهيب صعود الجبال |
يعِش أبد الدهر بين الحفر |
ولأن حياة الإنسان فيها ما يدعو إلى الخوف من أشياء كثيرة وعلى أشياء كثيرة كالسمعة التي تهم كل محب للظهور أمام الناس بالمظهر الذي يليق به من الصفات الحميدة التي تزيد من رفعة الكريم لدى الناس، نقف أمام ما يخيف محمد الأحمد السديري: |
أخاف من عوجا طوال عوجها |
هرجة قفا يركض بها كل هراج |
يقضب غليك المخطية من حججها |
حلو نباه وقلبه أسوط من الصاج |
والمخاوف تتعدد وتتباين أسبابها من إنسان لآخر، فالخوف على الروح ربما ساوى له الخوف من بعد من له في النفس منزلة ربما قاربت أو تجاوزت منزلتها، كما في بيت أحمد الناصر الشايع: |
خايف من فراق ما وراه اجتماع |
بالله اليوم لا تقطع رجاه ورجاي |
وهناك من يظن أن تحفظه من الوقوع في الحب وبعده عنه كان درعاً واقياً من التداعي كما ذهب أحد الشعراء الذي اعترف أن خوفه كان أكبر مسوغ لوقوعه فيما كان يحاذر منه: |
خفت أحبك وخوفي كان جذوة غلاك |
جيت أداريك عنك وصرت أداري عليك |
أما أحمد الجريفاني فقد مرَّ بتجربة ربما اختلفت عما سبق من أبيات حيث حذره من يظن أن السكوت دائماً من ذهب حتى وصل إلى الحالة التي شرحها لنا في بيته التالي: |
قالوا ترى من خاف لابد يسلم |
خفت الحكي لين أصبح الخوف عادة |
|
شافوك موت وجيت ما كنت خايفك |
ان كنت موت الموت لاجلك سلامة |
|