نحن متميزون عن غيرنا من الأمم بأننا نحترم كبيرنا ونجله، وننشأ منذ البدايات على أن هناك صغيراً يستحق الرعاية وكبيراً واجب الطاعة والاحترام. وهذا التقسيم العمري الهادف مستمر في تاريخنا وقيمنا، لا يرغب عنه أحد، ولا يعترض علية معترض. وهكذا نحن صغيرنا خادم لكبيرنا، لأننا نعتقد أن الحياة لا تستقيم إلا في وجود الكبير.
كبارنا، وأقصد بهم المسنين منا، ينتظرون منا ما كانوا يقدمونه وهم صغار لكبارهم، مع اختلاف الزمان والمكان والمعطيات. إن هذا الاختلاف للأسف لم يصب في صالح الكبار في كثير من الأحيان. نستطيع أن نقدم المزيد لهؤلاء، زيادة على احترامنا لهم، فهم في حاجة إلى أمور أخرى أكثر من الاحترام تعينهم على الحياة، وتشعرهم أنهم لا يزالون جديرين بها، قادرين على خوضها.
في الدول المتقدمة - والتي من المفترض أنها لا تقيم شأناً للكبار مثلنا - ترى برامج متعددة، ودراسات كثيرة، ونظريات نفسية وحياتيه تتركز حول هؤلاء الكبار بهدف خدمتهم ورعايتهم كما ينبغي.
فلا التقاعد كاف، ولا دور الرعاية الروتينية مناسبة لتوقير الكبار. فهؤلاء لهم علينا أن نجعلهم يحسون بقيمتهم الاجتماعية، وبدورهم المؤثر في حياتهم وحياة غيرهم.
ليس هناك أصعب من أن يجد المرء نفسه محط عطف وإحسان من غيره، خاصة إذا كان كبيراً في السن، لأن مثل ذلك يؤلمه، ويعيد إلى خاطرة ما فقده من حياة ويحطم في داخله كل كبرياء لا يستطيع التخلي عنها.
نعم كلنا يعرف ما تبذله الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (قطاع شؤون الإنسان والبيئة)، حيال الاهتمام بالمسنين، والحرص والمتابعة الدؤوبة لقضايا الشيخوخة وبالأخص الجهود المبذولة لتكون للشيخوخة سياسة اجتماعية متكاملة وإيجاد آليات للاستثمار فيها ضمن سياسة اجتماعية، ما لهذا من أهمية وتأثير في البيئة السكانية في المدى البعيد، ما الذي نقدمه لكبارنا؟ لقد ارتبطت دور المسنين عند الكثيرين بمفهوم العزل الاجتماعي والحجر القسري على الكبار. وهنا تكمن الخطورة لأن دور رعاية المسنين وجدت من أجل هدف سامٍ أقل معانية السهر على راحة هؤلاء وكفايتهم حاجاتهم بأقل تأثير نفسي فيهم.
هل فكرنا كيف يمكن أن نشرك هؤلاء في برامج استثمارية مناسبة لرواتبهم التقاعدية؟؟ وهل حاولنا أن نجعل من البيئة المعدة لهم نادياً صحياً ونفسياً واجتماعياً؟؟ وهل تساءلنا لماذا ينظر المسنون إلى دور الرعاية بريبة وخوف؟؟ كي نجيب على هذه الأسئلة علينا أن نكون كباراً مرتين: مرة في السن مثل هؤلاء!! وأخرى في التفكير والتقدير لهم!! هؤلاء في حاجة إلى مساكن مناسبة للمتزوجين أو الذين فقدوا نصفهم الآخر، وليسوا بقادرين على قبول العيش مع أسر أبنائهم نظراً لما يعانيه من صعوبة في التكيف مع ظروفهم. أو لعدم تقبل تلك الأسر لهم، ومحاولة التخلص من مسؤولياتهم.
علينا أن نعي أن هؤلاء في حاجة إلى تفهم من المسؤولين لأوضاعهم ودعمهم من خلال التخفيضات الحياتية. وتهيئة السكنى المناسبة المدعومة لهم، فينسحب ذلك على تذاكر السفر، والإيجارات، والفنادق، والخدمات العامة وغيرها.
أحلم مثل كثيرين غيري أن نرى لهؤلاء مجمعات سكنية خاصة، فيها خدمات تفي بحاجاتهم ولهم وسائل نقل خاصة بهم، وبرامج صحية ورياضية وإعلامية واجتماعية منسابة لحاجاتهم... لا تقتصر على الرجال دون النساء.... وتاليتها؟؟!!.