أذكر جيداً صيف عام 1398هـ. وتذكرته مجدداً مساء أمس أثناء زيارتي لابن عمي وأستاذي الدكتور صالح بن عبدالله المالك أمين عام مجلس الشورى الذي يرقد على السرير الأبيض شفاه الله.
في صيف ذاك العام بدأت مرحلة جديدة في حياتي. كنت للتو قد تخرجت في جامعة الملك سعود. وكانت الفرص المتاحة للخريجين آنذاك عدة. كنت في حيرة بين قبول العمل الحكومي أو مغريات العمل التجاري خصوصاً والمملكة كانت تعيش طفرة السبعينيات الشهيرة وأثناء هذه الحيرة جاءني القبول من عدد من الجامعات الأمريكية وزادت حيرتي.
ذهبت في ذلك اليوم لاستنير برأي الدكتور صالح ووضعت أمامه خياراتي المتعددة وكان رأيه جازماً وحاسماً أن استكمال دراستك العليا هي الخيار الأول. قال لي: إن الحصول على شهادة الدكتوراه وفارق الثقافات التي ستواجهه كطالب أجنبي في أمريكا تحدٍ صعب ولكني واثق أنك بإذن الله ستنتصر. تذكرت ذلك اليوم وتحدثنا عنه أمس وأثناء حديثه عن رحلة الألم وصراعه مع المرض خرجت من بين شفاهي دون أن أشعر (بإذن الله ستنتصر).
ستنتصر على المرض بإيمانك القوي بالمولى عزَّ وجلَّ وستنتصر بدعاء محبيك في جوف الليل وفي النهار وستنتصر بأعمالك الخيرة وبمنجزاتك لوطنك. بإذن الله ستنتصر لأنك في قلب كل أحبابك وأصدقائك وزملائك وطلابك والذين عملوا معك وعملت معهم.
قليل أن تجد من بين من تلتقي في حياتك شخصاً يأخذك بفكره وطرحه مثل هذا الشخص.
يأسرك بنقاشك معه. يستحث قدراتك ويفتح أمامك أبواباً مغلقة. تحس وأنت تتحدث معه أنك تخاطب عالماً وباحثاً وأديباً وفوق ذلك كله إنساناً محباً متواضعاً.
أمضى الدكتور صالح -أطال الله عمره- جُل حياته في خدمة البلد وتنقل من التعليم للعمل الحكومي التنفيذي منتهياً بالعمل التشريعي في مجلس الشورى. وخلال هذه الرحلة الطويلة قدّم عصارة جهده وفكره في خدمة دينه ومليكه ووطنه. لم يبخل بشيء ولم يبخل على أحد. كان وما زال علماً للكثير من أبناء أسرته وطلابه والذين عملوا معه وحوله.
كلمتي المتواضعة ليست إطراءً للرجل، فالكبار لا يزيدهم المديح ولا يحتاجون أن يتذكرهم الناس بكلمة أو مقال، فأعمالهم تخلدهم ولكنها خواطر جالت في فكري وأنا أهم بالخروج من غرفته بالمستشفى. خواطر جعلتني التفت إليه قبل أن أخرج من الباب وأهمس بإذن الله ستنتصر.