Al Jazirah NewsPaper Thursday  13/02/2008 G Issue 12921
الاربعاء 06 صفر 1429   العدد  12921
تنبؤات التحليل الفني.. بين التغرير والواقع!

د. حسن الشقطي(*)

التحليل الفني منهج أو نظرية علمية تقوم على قواعد ونظم لا خلاف عليها أو على أهميتها في أنها تمكّن من التعرف على الاتجاهات المستقبلية لمسار المؤشر أو الأسهم.. إلا أن الخلاف يدور حول مدى انطباق أو أهمية هذا التحليل الفني في التنبؤ بحال السوق، ليس في كل الأسواق، لكن في سوق مثل السوق المحلي.. إن التحليل الفني مأخوذ به في كافة أسواق العالم تقريباً.. إلا أن هذا التحليل الفني تزداد أهميته في الأسواق الناضجة عنه في الأسواق الناشئة.. بل تزداد كفاءة هذا التحليل في الأسواق المستقرة عنه في الأسواق غير المستقرة.

إن كثيراً من البحوث والدراسات تعرضت لتقييم مدى كفاءة نظريات التحليل الفني خلال الفترات الانتقالية التي تمر بها الأسواق.. وهو ما استدعانا لتقييم كفاءة التحليل الفني في التنبؤ بالأسعار المستقبلية للمؤشر والأسهم في السوق المحلي خلال مثل هذه الفترة التي تتسم بأنها الأكثر من حيث المستجدات والتغيرات والإصلاحات؟ أي أننا نتساءل هل فعلاً تنطبق أو تصدق تنبؤات التحليل الفني خلال هذه الفترة الانتقالية؟ وعلى أي مدى زمني يمكن تصديق هذه التنبؤات أو عدم تصديقها؟

حجم الإنفاق على التحليل الفني في المملكة تجاوز المليار ريال

يُعتبر موضوع التحليل الفني وصدق تنبؤاته من الأمور الهامة نتيجة انتشار تحليلاته وتعددها وتشعبها بدليل الانتشار الكثيف للمنتديات والملتقيات.. بل وإنفاق مئات الملايين على الدورات التدريبية لاحتراف المتداولين للتحليل الفني.. وأنا شخصياً أُقدر حجم الإنفاق على التدريب في التحليل الفني قد وصل في المملكة خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة إلى ما يناهز 1.1 مليار ريال نتيجة تطلع ما يقرب من مليونين إلى الحصول على هذه الدورات وبخاصة خلال فترة النشوة السوقية ما بين منتصف 2005م وحتى فبراير 2006م.

التحليل الفني وكبوة السوق في 2006م

يُعتبر التحليل الفني إحدى الأدوات التي غررت بمئات الآلاف من المتداولين في السوق المحلي خلال شهر فبراير من عام 2006م تحديداً لأنها جميعاً تنبأت بصعود المؤشر إلى أعلى من 25 ألف نقطة.. أكثر من هذا، فإن هذا التحليل لم تصدق توقعاته في المسار الهبوطي.. فقد توقع أن الهبوط سوف يتوقف عند 17 ألفاً ثم قلل من سقف توقعاته إلى 14 ألفاً ثم عند 11 ألفاً حتى وصلت توقعاته إلى سقف متدنٍ عند 9 آلاف، لكن للأسف انتهت محطة المؤشر عند 6767 نقطة.. هذه التوقعات غير الصادقة تسببت في خسائر أعلى من العادية لبعض المتداولين، لأن بعضهم للأسف كان يضخ أموالاً جديدة في السوق مع كل ارتداد مؤقت كان التحليل الفني يؤكد أنه ارتداد نهائي وحقيقي.

اختبار مدى توافر أركان التحليل

الفني في السوق المحلي

البعض يعتقد أن مجرد الاعتراف بنظريات التحليل الفني يُعتبر أمراً كافياً حتى تصدق تنبؤاته.. إلا أن المشكلة تكمن في مدى انطباق فروض هذه النظريات حتى نجزم بصدق توقعاتها.. يعني أن لكل نظرية فروضاً، هذه النظرية لا تقوم إلا في ظل توافر هذه الفروض، وعدم صدق كل أو أحد الفروض يضع النظرية في مهب الريح أو يهدمها كلياً.. فالتحليل الفني ربما يدفع بالكثيرين - بلا تروٍ - في طرق غالباً ما تهوي بهم في أعماق سحيقة.. ليس لكذب أصحاب هذه التحليلات أو كذب نظرياتهم، لكن لعدم انصياع أحد أو أكثر من فروض التحليل الفني.

مبدأ التاريخ يعيد نفسه

السوق الآن ومنذ عامين في مرحلة انتقالية، يمكن تشبيهها بالسائر على قمم الجبال أو عابر الصحراء.. لا طريق ولا مسار منتظماً.. لكن صحراء وبحاراً وشعاباً لدرجة أنك قد تحتاج إلى عبور وديان وسهول... هنا يصعب تصديق أو التكهن بصدق تنبؤات التحليل الفني الذي يقوم على مبدأ أن التاريخ يعيد نفسه... هنا التاريخ مفتقد لأنه منذ بداية عام 2005م كل عام مرّ على السوق يمثل تاريخاً خاصاً بذاته يصعب تكراره.. هل يمكن أن يزعم أي محلل فني بأن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه في عام 2006 وما حدث به؟ هل يمكن زعم أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه في الربع الأول من عام 2006م؟ هذا غير وارد ومن ثم فإن مبدأ (التاريخ يعيد نفسه) لا ينطبق على أي فترة تشهد إصلاحات جوهرية.. وهنا نتساءل.. كيف إذا كانت أحداث ومتغيرات السوق لم تمر عليه في تاريخه؟ هل يوجد حل حول عدم وجود تاريخ للحدث السوقي؟ بمعنى آخر... سوف يتم تداول أنعام في شكل جديد أول مرة يتم الأخذ به في السوق.. هل مبدأ التاريخ يعيد نفسه يمكن أن يخدمنا في التكهن بكيف ستكون حركة التداول على السهم؟ أهم من ذلك، هل يمكن أن ينطبق حال السوق بعد تفعيل الهيكل الجديد في إبريل المقبل على حال السوق في أي تاريخ مضى؟ هل التحليل الفني لديه أي تصور عن حال السوق في منتصف أو نهاية هذا العام؟

مؤثرات إضعاف قوى العرض والطلب

إن التحليل الفني مثل أي نظرية تقوم على أساس حرية عوامل العرض والطلب، ويعتبرها كافية للتعبير عن كافة المتغيرات، تلك الحرية التي تقوم على حرية تحديد أسعار الأسهم في ظل أوضاع المنافسة الكاملة، وامتلاك كل متداول في السوق لنفس الفرصة وذات المقدرة على شراء وبيع السهم، فهل كافة المتداولين في السوق يمتلكون نفس هذه الفرصة وذات هذه المقدرة؟ أكثر من ذلك، فلا تزال فجوة المقدرة الاستثمارية بين كبار المستثمرين وصغارهم لا تزال واضحة وضوح الشمس، ولا يبدو أن إزالتها ستتم قريباً.. وهنا نتساءل: ما هو الفرق بين تأثير محفظة استثمارية تمتلك 5% من قيمة رسملة سهم معين، وبين 100 ألف محفظة جميعهم مجتمعين يمتلكون أقل من 5% في السهم؟ بالطبع فارق السماء عن الأرض.. إن المحفظة الأولى الكبرى تمتلك القدرة على تحريك السهم في مسار معين حتى وإن كان يخالف مؤشر السوق، في حين أن طلب أو عرض هؤلاء الـ100 ألف محفظة لا يؤثرون على السهم بنفس القوة.

تساوي فرص النفاذ إلى المعلومات

إن السوق المحلي يمتلك نوعين من المعلومات: معلومات رسمية ومعلومات غير رسمية.. المعلومات الرسمية متاحة للجميع، إلا أن تفسيرها غير متاح لهم جميعاً بنفس القدر... فالبعض يمتلك خبرة أو مقدرة مالية على جلب الخبرة لتفسير هذه المعلومات، في حين أن البعض الآخر لا يمتلك الخبرة أو القدرة على جلب المعلومة، وبالتالي توجد فجوة معرفية تؤثر على جودة اتخاذ القرار الاستثماري ممن يمتلكون المعرفة وممن لا يمتلكونها.. أما الجانب الأكثر أهمية، فهو المعلومات غير الرسمية، التي تتطلب قدرة على النفاذ، تتفاوت فيها قدرات المستثمرين، فبعضهم يصل إليها بتطلعه أو تكهناته، لإلمامه واستيعابه للوضع الحالي ومستجداته، في حين أن بعضهم يصل إليها بثقله التجاري أو السوقي أو غيرها.. في المقابل هناك شرائح متسعة لا تتمكن من النفاذ إلى هذه المعلومات بأي حال من الأحوال، بل يمكن أن يكون نفاذها إلى أخبار أو معلومات كاذبة للتضليل والتغرير.

وباختصار يُوجد ثلاثة أركان رئيسة تهوي بالتحليل الفني في السوق المحلي، وتجعل تنبؤاته بمثابة التكهنات بعيدة عن الواقعية أو المنهجية العلمية التي تقوم عليها نظرياته، وتتمثل هذه الأركان فيما يلي:

1- عدم اكتمال كفاءة عناصر العرض والطلب في تحديد أسعار الأسهم، نتيجة تأثرها الشديد بالفوارق الكبيرة بين المحافظ الاستثمارية في السوق.

2- إن مبدأ التاريخ يعيد نفسه لا يمكن انصياعه لمثل هذه الفترة التي يمر بها السوق، نتيجة توالي المستجدات والمعطيات الحديثة التي تمر على السوق لأول مرة.

3- عدم تساوي فرص المتداولين في الوصول والنفاذ إلى المعلومات عن السوق والشركات نتيجة أيضاً الفوارق الشخصية والمالية للمتداولين أنفسهم.

لماذا الدفاع الشديد عن التحليل الفني؟

التحليل الفني لم يعد مجرد كوب وعروات أو ثيران ودببة، لكنه أصبح نشاطاً أو صناعة محلية تدر الملايين على الكثير من رجال الأعمال، وربما المنتفعين منها أو المصنعين لها.. فاستخدام التحليل الفني يدر عوائد غير عادية على المحللين الفنيين.. ومن جانب آخر، يدر عوائد استثنائية على المدربين في هذا النشاط، بل يفتح الباب لاستثمارات ضخمة للشركات التي تقف وراء هذه المنتديات التي أصبحت أعدادها بالعشرات بل بالمئات.. فالمنتديات ليست كما بدأت، بل تحولت الآن إلى كيانات مؤسسية لشركات نظم وأنظمة معلومات بعضها ذات رؤوس أموال ضخمة... لذلك، يسعى كل هؤلاء إلى ترسيخ فكرة انطباق وواقعية وصدق توقعات التحليل الفني في السوق المحلي.. نعم التحليل الفني لا غبار عليه وعلى منهجه، لكن أركانه الرئيسة تثير العديد من الشكوك الآن حول انطباقها.. لكن ذلك لا ينفي انطباق وواقعية التحليل الفني في تفسير الحاضر (قوته المؤكدة) أو خلال الفترات الزمنية القصيرة التي لا تتخللها أحداث أو مستجدات جديدة تؤثر على هوية أن التاريخ يعيد نفسه بالسوق أو أن حركة السوق تحوي كافة المتغيرات وتعبر عنها.

(*) محلل اقتصادي


Hassan14369@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد