أكتب لكم.. بعد أن قتل (بضم القاف وكسر التاء) العملاق النائم - الاعتقاد بحوزة الكثير من المعرفة - بداخلي، وأوقظ (بضم الألف وكسر القاف) الطفل - حب الاستطلاع والاكتشاف - بداخلي والذي فاجأني وأنا مستعد، ونهرني وأنا مطيع بقوله: (ستتاح لك الفرصة لتتعلم في كل يوم تشرق فيه الشمس، إذا منعت العملاق النائم من الولادة مجدداً، واستصغرت علمك عند علم معلمك، واعتقدت باستمرار بأن ما جهلت أكثر مما تعلمت، وأنني طفل بداخلك لا يكبر)... انتهى كلام الطفل بداخلي.
هذه أقصى مقدرتي في التعبير عما خطر في بالي واستحوذ على قلبي واستثار مشاعري في بارقة لا أظنها إلا جزءاً من المليون من الثانية، عندما رأيت تلك الحشود من أفواج طلبة المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعات مفترشة ردهات مركز امباكت للمؤتمرات في بانكوك وساحاته الخارجية وقاعاته المختلفة منذ الصباح الباكر وفي يوم الأحد الذي يوافق إجازة نهاية الأسبوع، متنمرة بأزياء مختلفة للتمييز بين فئاتها، وتحت الحراسة المشددة والتهدئة الأبوية من المعلمين، بأن دخول معرض الاختراعات سيتأتى للجميع وعليهم الصبر وانتظار دورهم فوجاً بعد فوج، وقد شكَّلت تلك الحشود لوحة فنية وكتاباً مفتوحاً يوحي للمتأمل آلاف الاستنتاجات الإيجابية. ولقد تأملت دونما تمعن ما رأيته على أرض الواقع، فلا يحتاج الموقف إلى ذكاء لكي أستنتج التعارض الإيجابي بين واقع المدينة من تردي طرقها ومبانيها ومظهرها الحضاري، وبين ذلك المشهد الرائع الذي نقلت لكم صورته، مما يقود إلى الاستنتاج المنطقي بأن هذا الجيل سيكون له شأن في نهضة بلاده عاجلاً غير آجل.. ولقد تأملت في تمعن وسألت نفسي السؤال التالي: هل يجوز لي تحليل ذلك المشهد ومقارنته مع المشهد الوطني المتعلق بالاختراعات وما قدمته أجهزة الدولة المختلفة للمخترعين والمخترعات والاختراعات وثقافة الاختراع وتذليل الصعاب التي تعترض مثل هذا التوجه البالغ الأهمية لمستقبل الوطن في ظل توجيه واهتمام الملك - حفظه الله - وتوفر المال وفجوة السوق وضرورة احتكار المعرفة الوطنية وتصديرها كأقل إجراء وقائي للبقاء في الصفوف ما قبل الأخيرة في زمن العولمة ونظام منظمة التجارة الدولية المتلبسة بالحرية في شكلها الخارجي والافتراس الدولي في شكلها الداخلي؟؟؟؟؟ إلا أنني استدركت الإجابة قبل أن أنتهي من السؤال، لأنني سأعمل بنصيحة وأوامر الطفل بداخلي، ولأنني أريد أن يزداد علمي كلما تشرق لي شمس يكتب لي أن أعيش نهاره أو جزءاً منه, ولأنني سأمنع العملاق بداخلي من الولادة مجدداً، ولأنني سأظل أستصغر علمي عند علم معلمي، ولأنني أجهل أكثر مما أعلم، ولأنني سأرعى الطفل الصغير بداخلي حتى لا يكبر!!!!!
*yadmah2003@yahoo.com