مصيبة بعض الناس أنهم يحملون أنفسهم فوق ما يطيقون، ويظنون أنهم قد يصلحون الكون أو قد يفرضون عليه السير وفقما يحبون ويريدون، ينثرون أنفسهم في كل مكان، ويتداخلون في كل شأن، معتقدين أن الأرض ومن فيها متوقفون على ما يصدرونه من آراء أو أفكار أو حلول يرونها لكل المشكلات التي تعصف بهذا العالم المضطرب، لا يرضيهم العجب -كما يقولون- ولا الصيام في رجب، يعيشون في قلق دائم لأنهم في نزاع دائم مع كل شيء، مع الناس ومع الأشياء ومع أنفسهم حتى أصبحت قلوبهم كنقع للسيل يسير كل شيء إليه حتى يتراكم فيه، في السياسة لهم آراء يقاتلون لأجلها ويعادون كثيرين لا يتفقون معهم، وفي الرياضة يجهدون أنفسهم في سبيل فرض قناعاتهم أو في مجادلة ومناقشة من يخالفها ولا يتفق معها، وفي الفن لهم آراؤهم التي يستميتون للدفاع عنها ومواجهة كل الناس في سبيل إقناعهم بها، ولأنهم يحاولون بكل ما يملكون أن يفرضوا آراءهم وأفكارهم التي يرون صوابها على غيرهم دون الاعتراف بحق غيرهم في تبني ما يريد؛ يفرضون على أنفسهم الانزلاق إلى نزاعات ومناقشات لا تحمل معها غير وجع القلب والقلق، وتتحول حياتهم إلى معارك دائمة لا تنتهي مع كل شيء.
في الشارع يتعاركون مع الناس لإصلاح خطأ يعتقدونه، وفي العمل مع زملائهم على تفضيل أسلوب عمل يرونه، وفي البيت مع أهلهم على كل شيء يفعلونه يخالف أو لا يوافق ما يفضلونه، أو مع جيرانهم على موقف السيارة وموقع برميل القمامة أين يضعونه، حتى مع أصحابهم قد يتعاركون على أفضلية وجبة يحبونها أو مكان للنزهة يقترحونه. قلقون ومتوترون ومتحفزون دائماً لخوض المعارك بحجة أنهم لا يقبلون بالخطأ وأنهم لا يريدون إلا إصلاح ما يعتقدون اعوجاجه، وكل الأمور التي لا توافق قناعاتهم عوج يتطلب تقويمه. ليكتشفوا في نهاية أمرهم أن الدنيا كما هي لم تتغير والناس هم الناس لم يتغيروا في شيء، وأن الذي تغير وتأثر سلباً هو حياتهم التي تحولت إلى ساحة حرب، وقلوبهم التي تتعب من امتصاص ما في العالم من اختلاف معهم لا يقبلونه، ونفوسهم التي غاب عنها الشعور بالسلام والطمأنينة وباتت تعشق القلق دون أن يتمكنوا من إصلاح ما يظنون أنهم يصلحونه.. والله المستعان.