فجأة وبدون سابق إنذار قامت هيئة سوق المال السعودية بنشر تقريرها الأول لشهر يناير 2008م، لتسقط ورقة التوت عن أحد أهم أسباب ما يعاني منه كثير من المتداولين السعوديين والصغار منهم على وجه الخصوص.
التقرير كشف حقيقة لم تكن متوقعة بهذه الصورة. كشف حجم تعاملات (الأفراد) السعوديين، وكشف أيضاً طريقتهم في التعامل مع السوق، وكشف أيضاً مدى تأثيرهم في مساره، وكشف أن هناك فروقات واضحة في طريقة تعامل (الأفراد) السعوديين، وطريقة تعامل الشركات السعودية وصناديق الاستثمار والمستثمرين الخليجيين والمقيمين.
الفئة الوحيدة التي غلبت قوة البيع عندها على قوة الشراء هم الأفراد السعوديون.
الفئة الوحيدة التي مثل حجم تداولاتها أكثر من 90% من حجم تداولات السوق خلال الشهر الماضي، هم (الأفراد) السعوديون.
التقرير بصورته العامة جاء، وقرأه البعض كرسالة من الهيئة تقول فيها (اصح يا نايم، في سوقك الجميع يغلب عليهم الشراء، وأنت فقط من يغلب عليك البيع).
الرسالة كانت ظاهرة على ردود الأفعال من كثير من المتداولين، والذين فركوا أذقانهم بحدة وهم يقرؤون التقرير المفاجئ، وحالهم بين مُصدِّق ومُكذِّب.
المتوقع أن (الأفراد) السعوديين، والصغار منهم على الخصوص، لم يكونوا يملكون كميات كبيرة في الشركات القيادية، وبالتالي لم يكونوا سبباً في نزولها والبيوع التي تمت عليها، ولكن بلا شك يملكون كميات كبيرة جداً في الشركات الصغيرة والمتوسطة.
البعض فسر ربما أسباب ارتفاع نسبة البيوع لدى (الأفراد) السعوديين بهذه الصورة خلال الشهر الماضي بتزامن طرح شركة (بترورابغ) للتداول خلال نهاية شهر أبريل، التي شهدت تداولات قياسية من حيث الكميات والسيولة، التي بلا شك كان للأفراد السعوديين نصيب كبير منها.
ولكن الأهم من هذا كله، أن التقرير، يكشف عن حقيقة المناخ الذي يعيشه المتداول السعودي، ولا يشاركه فيه غيره.
مناخ (التشنج) الذي يغلب على صالات التداول ومنتديات الأسهم والصحف اليومية والقنوات الفضائية، التي رسخت في القلوب مفهوم (السوق خطير) (السوق مضاربة) (دخول خروج) (انهيار انفجار).
لا شك أن الشركات والصناديق الاستثمارية والمستثمرين الخليجيين والمقيمين، بعيدون كل البعد عن هذا المناخ المتشنج والحاد، وبالتالي لا غرابة أن تكون تعاملاتهم مع السوق مختلفة.
مثل هذه المناخات وجودها طبيعي في جميع الأسواق الناشئة، ولا أعتقد أننا في مناخ يختلف عن مناخ دبي أو مصر، أو قطر.. الجميع أو أكثرهم يعاني من نفس المعضلة التي تصور حقيقة الأسواق الناشئة.
الخليجيون الذين يختلفون عنَّا حسب التقرير، في أسواقهم لا يخالفوننا كثيراً، وكذلك نحن في أسواقهم نتعامل بنفس الطريقة التي يتعاملون فيها مع سوقنا.
إذن المشكلة في المناخ الذي نعيشه، وتعيشه الأسواق الناشئة بشكل عام، ومتى ما استطاع المتداول منا، أن يكوِّن له مناخاً نقياً خاصاً به، فلا شك أنه سيخرج من هذه الدوامة أو هذه المعضلة.
النسبة الكبيرة ل(الأفراد) السعوديين، سوف تتقلص كثيراً مع الأيام لصالح الصناديق الاستثمارية، عندها سوف يستقر السوق بشكل أفضل، ويكون أكثر نضوجاً.
شكراً للهيئة على هذا التقرير، وإلى مزيدٍ من الشفافية بإذن الله، وإن كانت كلمة (أفراد) يدخل من ضمنها صاحب المليار، وصاحب العشرة آلاف ريال.
فهد الحربي