Al Jazirah NewsPaper Wednesday  06/02/2008 G Issue 12914
الاربعاء 29 محرم 1429   العدد  12914
الانطلاقة الرقمية نحو الاقتصاد المعرفي
أ. د. سالم بن سعيد القحطاني(*)

بالنظر إلى واقع التعليم العالي في المملكة يمكن أن ندرك بأن التعليم العالي مر بمراحل عديدة تنازعته فيها العديد من الاستراتيجيات المؤقتة التي كان الثابت منها هو تلبية احتياجات المجتمع، وتوفير التعليم الجامعي للشباب السعودي المتخرج من الثانوية والراغب في إكمال دراساته الجامعية. ولا يخفى على المتتبع لوضع التعليم العالي في المملكة أنه مر بعدة عقود ولم يكن هناك إلا سبع جامعات سعودية كانت تعاني الأمرين في كل عام دراسي من الضغوط المختلفة لاستيعاب خريجي الثانوية ولذلك لم يكن للجامعات ومن بينها جامعة الملك سعود هم إلا الخروج من مرحلة القبول السنوي بأقل الأضرار ومن ثم التعامل مع الكم الهائل من الطلاب والطالبات المقبولين وتوفير المقاعد الدراسية والمدرسين لهم. ولكن وبعد أن أصبح لدينا اليوم حوالي 23 جامعة ما بين حكومية وأهلية وبرنامجاً طموحاً للابتعاث هو برنامج خادم الحرمين الشريفين فإنه ربما قد يخفف ذلك من مشاكل القبول والاستيعاب، مما سيتيح للجامعات أن تفكر بشكل أكثر وضوحاً في رسم استراتيجيات تنافسية تقودها إلى مصاف العالمية وتخرجها من نفق إدارة الأزمات التي عاشتها خلال العقود الماضية.

إن الواقع الجديد للتعليم العالي في المملكة يستدعي من جميع الجامعات أن تضع لها إستراتيجية تستطيع من خلالها أن تحقق طموحاتها، وذلك انسجاما مع خطة آفاق الإستراتيجية التي وضعتها وزارة التعليم العالي، وأيضاً تحقيقاً للأهداف الإستراتيجية التي تختطها أي جامعه لنفسها. إن جامعة الملك سعود بقياداتها الطموحة المدركة لأهمية التخطيط الاستراتيجي قد أدركت أهمية رسم خارطة طريقها المستقبلي بما يحقق الريادة العالمية التي تتطلع إليها، ولذلك فإن مشروع الخطة الإستراتيجية للجامعة يهدف إلى إعداد خطة شاملة ومتكاملة، طويلة الأجل لتحقيق ريادة الجامعة في العملية التعليمية والبحث العلمي وخدمة المجتمع لكي تكون الجامعة في طليعة الجامعات العالمية المتميزة. وقد جاء هذا المشروع انطلاقا من إدراك مسؤولي الجامعة بضرورة تحديد اتجاهات الجامعة المستقبلية في ضوء المتغيرات المعاصرة محلياً وعالمياً، وكذلك الاستفادة من الفرص المتاحة للجامعة سواء على الصعيد الداخلي للجامعة أو على صعيد البيئة الخارجية المحلية والإقليمية والعالمية. ومن المؤكد أن تحول العالم نحو اقتصاد المعرفة والاستثمار في العقل البشري من الدوافع التي جعلت الجامعة تسرع للحاق بركب الجامعات العالمية، وكذلك بناء شراكات مجتمعية وعالمية تصبو إلى استثمارها لتحقيق الرؤى والتطلعات المستقبلية التي تقود إلى الإبداع والتميز.

لقد دشنت جامعة الملك سعود مؤخراً باكورة أنشطتها نحو إعداد خطة إستراتيجية للجامعة برعاية الأستاذ الدكتور عبدالله العثمان وذلك مساء الثلاثاء 17-1-1429هـ بورشة عمل بعنوان (رؤى وتطلعات القيادات العليا لمستقبل جامعة الملك سعود). وقد حضر هذه الورشة وكلاء الجامعة وعمداؤها حيث قدم فريق العمل المكلف بإعداد الإستراتيجية خطته وما تم إنجازه، ثم تحدث مدير الجامعة عن رؤيته وتطلعاته ثم تبع ذلك ورشة عمل العمداء والمسؤولين التي خرجت بالعديد من التطلعات والرؤى الطموحة نحو المستقبل.

لقد كان حديث مدير الجامعة في ورشة (الرؤى والتطلعات) حديث المدرك الواعي بمستقبل التعليم العالي في البلاد، وقد وضعت كلمة العثمان النقاط على الحروف حيث لخص مراحل تطور التعليم العالي في ثلاث مراحل هي مرحلة التأسيس فمرحلة الوفاء باحتياجات الوطن التعليمية وإيجاد مقاعد للدارسين فمرحلة الإبداع والتميز. ومن حديثه عن مرحلة الإبداع والتميز التي نعيشها في ظل وجود إرادة سياسية قوية لتطوير التعليم العالي في المملكة، وخطة طويلة الأمد للتعليم (25سنة)، ووجود 23 جامعة بأكثر من 170 كلية توجد في مختلف محافظات المملكة، وكذلك إتاحة الفرصة للتعليم العالي الأهلي، ووجود الوفرة المالية فإن خطة جامعة الملك سعود الإستراتيجية يجب أن تأخذ في عين الاعتبار التفكير في الوضع الشمولي للجامعة ببنيتها التحتية القوية وميزانيتها الداعمة وأعضاء هيئة التدريس المتميزين والمؤهلين تأهيلاً عالمياً من أرقى جامعات العالم، وأن ترسم لنفسها إستراتيجية مستقبلية تضعها على طريق المنافسة الوطنية والعالمية بحيث تتبنى من خلالها مواصفات الجامعات العالمية التي تملك استقراراً مالياً تفي فيه مواردها الذاتية باحتياجاتها، وكذلك برامج قوية لاستقطاب الطلاب والباحثين وأعضاء هيئة التدريس المتميزين على المستوى المحلي والعالمي.

إن أي خطة إستراتيجية لجامعة الملك سعود لا بد وأن تأخذ في اعتبارها أن تصبح الجامعة مكاناً يتطلع الجميع إلى العمل أو الدراسة فيه والاستفادة من خدماته الأخرى، وكذلك مكاناً يفخر ويعتز به الجميع. ولذلك فيمكن أن تكون الكلمات الأخيرة لمدير الجامعة إطاراً لبناء رؤية مستقبلية لجامعة الملك سعود وهي أن تكون جامعة رقمية تلعب دوراً محورياً خلال العشرين سنة القادمة في تحقيق الريادة العالمية في إنتاج وتوليد المعرفة، ويكون خريجها قادراً على خلق فرصة عمل داعمة للاقتصاد الوطني.

وكل ما يمكن قوله في الختام هو إننا نتطلع إلى مشاركة من جميع الزملاء في الجامعة من أعضاء هيئة تدريس والفنيين والإداريين وكذلك الطلاب في وضع هذه الخطة الإستراتيجية من خلال ورش العمل التي ستقام وكذلك منتديات الجامعة المتاحة والوسائل الأخرى. ويجب أن نؤكد في النهاية على أن إعداد الخطة كوثيقة ليس هو الهدف النهائي والأساسي، ولكن التفاعل والمساهمة في جعل التخطيط الاستراتيجي منهج حياة، وأسلوب عمل هو من المعارف والمهارات التي نرجو أن تسهم بها جامعة الملك سعود لبناء مجتمع معرفي يبني حياته على أسس إستراتيجية.

(*) أستاذ الإدارة ونائب مدير مشروع الخطة الإستراتيجية - جامعة الملك سعود



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد