قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } (41)سورة الرعد، ذكر ابن كثير في تفسيره، عن ابن عباس ومجاهد في معنى الآية أن النقص يكون بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها، ولذا فموت العلماء من أعظم المصائب التي تحل بالمسلمين، لأنهم ورثة الأنبياء، ومصابيح الدجى، بهم يتميز الحق من الباطل، ويعرف الحلال من الحرام.
وقد كانت وفاة الشيخ صالح بن عبدالرحمن بن صالح الأطرم رحمه الله مصيبة كبرى علينا وعلى المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولد الشيخ -رحمه الله- في محافظة الزلفي عام 1352هـ، وكُفّ بصره عام 1359هـ، وانتقل إلى مدينة الرياض قرابة عام 1368هـ. وهو من العلماء الراسخين في العلوم الشرعية المختلفة، وخصوصاً في مجال العقيدة. وله عناية خاصة بالتحليل الفقهي وربطه بكلام أهل العلم، وتنزيل الأحكام الفقيه على ما استجد من مسائل العصر، وكان من جُل اهتماماته تكوين الملكة الفقهية لطالب العلم. وقد فرغ نفسه لنشر العلم، فشغل بذلك وقته وأفنى فيه عمره إلى أن أعجزه المرض من يوم 2-2- 1420هـ، حتى توفي صباح يوم الجمعة 25-12-1428هـ.
شيخ بذل نفسه في طلب العلم شيخ وفقه الله تعالى ورزقه علماً وحسن خلق شيخ تربى وتعلم على يد علماء ومشايخ أجلاء معترف بفضلهم، ثم حفظ لهم معروفهم، فكان كثيراً ما يدعو لهم ويستشهد بأقوالهم.
ولقد كان لفقد شيخنا أثر في نفوسنا، ولا سيما إذا تذكرت أياماً مضت معه وجلسات وفوائد ونصائح يوجهها إليّ. كان -رحمه الله- يوصيني -دائماً- بالتمسك بالصراط المستقيم، وحفظ القرآن الكريم، وحفظ المتون العلمية، وخصوصاً متون العقيدة والتوحيد، ك(ثلاثة الأصول، وكتاب التوحيد، للإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-، ومتون الفقه، مثل زاد المستقنع للشيخ الحجاوي. وكان -رحمه الله- يحرص على أن يكون في كل مجلس يجلسه ذكر لله تعالى وتعليم وإفادة، كقراءة آية من القرآن أو كتب شرعية مناسبة يستفاد منها.
ومن أخلاقه الفاضلة حرصه على صلة الأرحام، فكم كان يحثني على ذلك والتواضع حيث كان يتصاغر للأطفال وصغار السن تقديراً ورحمة وعطفاً عليهم من لدن فضيلته، فهو يتلطف معهم ويأنس بمحادثتهم، وكان -رحمه الله- يسأل كل صغير يسلم عليه عن مستواه الدراسي، ثم يوجه له أسئلة ملائمة لعمره وهو ممسك بيده، كأن يقول له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ولا ريب أن هذا العمل من التربية والتعليم والتوجيه للصغار، كما أن له أثراً كبيراً في نفوس هؤلاء النشء ووالديهم والحاضرين.
هذه بعض من الخواطر والذكريات الكثيرة التي تمر بخاطري عندما أتذكر الشيخ رحمه الله. ولئن انتقل عنا شيخنا، ورحل من دار الدنيا إلى دار القرار، فإن ذكراه في نفوسنا باقية مدى حياتنا. وأخيراً أسأل الله سبحانه، أن يجزيه عما عمل للإسلام، وقدم للمسلمين أفضل الجزاء، وأن يخلفه بخير، وأسأله سبحانه أن ينفع بعلمه الذي خلفه مطبوعاً في كتب، أو محفوظاً في صدور طلابه.