لا شك أن هذه السنة لم تكن سنة عادية بالنسبة لما صاحبها من شدة البرد وكثرة الثلوج، وتضرر المخلوقات والنباتات، والأولى ألاّ يمر ذلك في ذاكرتنا مرور الكرام؛ بل يجب علينا تذكر من لا يستطيعون مقاومة البرد الشديد من الفقراء ومشردي الحروب، وضحايا الحصارات القهرية، ونحن نعيش في مبانٍ مسلحة ونملك من وسائل التدفئة والراحة بفضل الله ما نحتاجه وأكثر.. كما ينبغي أن نتذكر ما عاناه أجدادنا في الماضي عند حدوث مثل هذا البرد الموجع الذي تكرر عليهم سنوات كثيرة عندما كانت ظروفهم المعيشية لا تساعدهم على المقاومة بل تزيد معاناتهم.
فلو رجعنا إلى الوراء قليلاً عندما بدأ الملك عبدالعزيز - رحمه الله- في توحيد البلاد لرأينا كيف كانت الأحوال صعبة، والسنوات عجافاً، فسَنَة جوع، وسنة وباء، وسنة برد، وسنة غرق، وسنة عطش، وسنة غلاء؛ بل ربما اجتمعت كل تلك المصائب في سنة واحدة، حتى اصطبغ تاريخ تلك الحقبة بتلك الظواهر القاسية، وأخذت سنواته أسماءها منها، فلو عدنا إلى تلك السنوات التي تلت فتح الرياض لوجدنا أن منها:
- سنوات القحط والجدب والجوع، ومن أسمائها: الضرب 1321ه، والأبيرق سنة 1326ه، ودمغان والجوع سنتي 1327ه و1328ه، وسحبة 1349ه، والكودة 1357ه، والأبيرق 1363ه، وحطيبة 1368ه، وبَوهان 1366ه، والشهْبَة ومُلْحِق 1370ه، وغيرها.
- سنوات الأوبئة الفتاكة كالكوليرا والجدري والحصبة، وغيرها، وأشهرها الوباء الأصفر 1320هـ و1321هـ و1322هـ و1325هـ و1330هـ، والكوليرا 1337هـ، والجدري 1348هـ و1358هـ و1359هـ، و1362هـ، والشهاقة 1360هـ و1362هـ.
- سنوات البَرْد والصقيع، ومنها: سنة البرد المسمى حمرة سنة 1334هـ، والبرَد (بفتح الراء) 1344هـ، والصرَد 1351هـ، والصِّرَّة 1352هـ و1355هـ، والفلْج 1376هـ، وغيرها.
- سنوات الغرق والهدم، ومنها: غرقة حوطة بني تميم 1321هـ، وغرقة عنيزة 1322هـ، وغرقة الوشم 1327هـ، وسَحَّاب 1344هـ، وغرقة السلمية 1351هـ، وغرقة مكة 1360هـ، وسيل غشام سنة 1363هـ، وسحبة أبا الحصين 1364هـ، وغرقة الشنانة 1366هـ، وصباب 1374هـ، والهدام سنة 1376هـ.
- سنوات الظمأ والعطش، ومنها: الظمأ 1339هـ، والظموة 1364هـ و1370هـ، وغيرها.
- سنوات العواصف الترابية العنيفة، ومنها: سنة عجاجان 1320هـ، وأبو عجاج 1330هـ، وأبو نيران 1359هـ، والغبار 1360هـ، وغيرها.
- سنوات أمراض الحيوانات ونفوق البهائهم، ومنها: الجرب 1341هـ و1348هـ، وقطع الزمل أو مجعِّف الوثاير 1354هـ، وموت الحشو 1355هـ، وسنة الشقال 1357هـ، والهيام 1363هـ.
- سنوات الدبا والجراد، ومنها سنة 1346هـ، و1358هـ، و1362هـ، و1364هـ، وغيرها.
- سنوات الغلاء وانعدام الزاد، وما أكثرها في ذلك الزمان، ومنها على سبيل المثال: سنة 1321هـ و1326هـ و1327هـ و1328هـ و1339هـ و1360هـ و1366هـ و1367هـ، وغيرها.
أما سنوات الحروب والمعارك والحصارات الطاحنة فكانت هي الأكثر وطأة وضراوة، وقد كانت المعارك الطاحنة ممارسة سائدة قبل إعلان توحيد هذه البلاد سنة 1351هـ، ولا يسمح المجال لتعداد تلك المعارك التي لا تكاد تخلو منها سنة من تلك السنوات.
هذه أمثلة فقط؛ ونماذج مختارة من سنوات كانت مليئة بالحوادث الجسام مع شظف العيش؛ أسوقها لنقارنها مع ما نحن فيه اليوم من رغد العيش والاستقرار، وليعرف من لم يدرك تلك السنوات ولم يقرأ تاريخه حجم الإنجاز الذي قام به موحد الجزيرة حتى استطاع أن يبني دولة حضارية مترامية الأطراف متباعدة الأرجاء، بعد معارك شرسة خاضها مع الفرقة والعصبية والجهل والفقر والمرض لتنعم الأجيال من بعده وخصوصاً جيلنا وجيل أبنائنا بثمرة هذه الإنجازات، ولنعرف ما يتوجب علينا من الشكر الذي بدونه لا نضمن العودة لتلك السنوات التي ما هي عنا ببعيد!