تمر الأيام فتثقل على كاهلي وكل يوم يمضي يزيد من شوقي فقد كنت ممن يهوى الليل لأني أجد به راحة بعد عناء يوم طويل، كنت أحب الليل لأرتب أفكاري وأجدد طاقتي لليوم التالي كنت أستهويه لأنه كان يؤنسني ولكن الآن أصبح شبحا مخيفا أصبح يؤرق راحتي فيجدد حزني وأصبح هذا الليل يبكيني ويدمي جراحي. أحس أن الليل يكاد يكون طويلا لا أكاد أرى صبحه إلا بشق الأنفس فصار الليل يتعب فكري وقلبي ووجداني يبكيني فيجرح كل معاني الأحاسيس والمشاعر والوله في داخلي، نعم أصبح هذا الليل مجرد ذكريات وما أظن بعض الذكريات إلا ألماً وجرحاً وغصة في الحلق، أجل ففراق أبي ومرور عام على فراقه أطال ليلي وأدمى فؤادي فتحول عالمي بألوانه إلى لون واحد في عيني هي غمامة سوداء تكسو العالم من حولي، وأرى تلك الابتسامات مزيفة والفرحة ماتت في قلبي ومن حولي منظر والدي وهو ممدد في كفنه لا أكاد أنساه ولو حاولت أن أغمض عيني لوجدته داخل عيني فتلك الابتسامة التي رأيته عليها تثلج صدري ولكن مع غيابه غابت الأحاسيس والمشاعر في تلك الكلمة التي كنت أنطقها ولكن أصبحت الآن أكتبها كلما زاد حنيني إليه وكلما كنت بحاجة إليه، لكن يأبى لساني أن ينسى تلك الكلمة التي نشأت عليها منذ أن كنت في المهد فأنزوي في إحدى غرف بيتي لأرددها بيني وبين نفسي، فالأحاسيس تجاه والدي تطغى عليّ دائماً فتتأجج حرارة ذاك الفراق لأبكي ألماً وحرقة على فراق من تربع في قلبي واحتل مكانة عظيمة في وجداني. أبي لن أنساك فالنسيان يرفض نسيانك والقلب يأبى ذلك والعين تصر على أن تبقى صورتك داخلها ليل نهار كان أبي شمعة أضاءت حياتي فاحتضنتني مع أبنائي بالرعاية والحنان. كانت عاطفته تلاحقني في كل مكان حتى وأنا هنا في بريدة فبعدي عنه لم ينسه ابنته ولو للحظة. كان ملاذي في حزني. كان يطيب خاطري كلما كنت في ضائقة من أمري. كان يحس بي ويقرأ الحزن في عيني. والآن من سيقرأ هذا الحزن الذي زاد بعد فراقه؟ من سيخفف عني ضائقتي؟ من سيمسح دموعي وينتشلني من العواصف والأعاصير التي تهيج في داخلي؟ ومن يخمد تلك البراكين التي تثور داخل مشاعري، تركت وفاته مكاناً فارغاً في قلبي ولكن هذا الفراغ تربع مكانه الحزن الذي أصبح يقسو عليّ منذ رحيله، أحياناً يصل بي الحزن إلى الذروة وهي لحظة تزيد من شوقي إلى والدي وهي عندما أقبل على بيت أهلي فأشعر وكأنني أفقد وعيي من شدة الحزن والحنين الذي ينتابني في تلك اللحظة فعندما أدخل المنزل أشم عبق روائحه العطرة في زوايا البيت فأنصدم عندما أرى مكانه خاليا يئن من فراقه، أرى بعد فراقه كل شيء في مكانه؛ مصحفه والمسبحة وفراشه وحتى مشلحه الذي كان يزين دولاب والدتي ولكن هو الوحيد الذي تغير مكانه، فعندما ألتحف فراشه وينسدل ستار الحزن في داخلي حينها أسمع صوت أنين وبكاء يخيفني يأتي من زوايا تلك الغرفة وأحس بأنفاسه وهي تقترب مني لم أتخيل مكان أبي بهذه الوحشة، نعم مر عام ولم تنسني الأيام تلك الأحزان. مر عام وقلبي يزداد شوقاً إليه، فكلما أشرقت شمس يوم جديد بدأ معي يوم حزن جديد أجد أبي في كل مكان من بيتي وفي روحي وفي قلبي في عيني ولساني وأذني فأسمع صوته وأرى صورته في صمتي وحزني فألجأ إلى الكتابة لأخفف شيئا من ذاك الحزن الدفين الذي ينتزعني بين اللحظة والأخرى، لا اعتراض على قضاء الله وقدره، أحمد الله على كل شيء، وأحمد الله على حسن تدبيره، اللهم أسكنه في أعلى منازلك من الجنة وافسح له في قبره مد بصره وافرش قبره من فراش الجنة وجميع أموات المسلمين، اللهم ألهمني ووالدتي وإخوتي الصبر والسلوان. آمين يا رب العالمين.