توفي زوج أم محمد قبل عيد الفطر بثلاثة أيام عام 1424هـ وهو في طريقه من الرياض إلى القصيم وهو صائم في حادث سير وتوفيت معه زوجته الثانية وبنته الكبرى منها. |
مكثت أم محمد بعد وفاة زوجها -رحمه الله- حيناً في الرياض حيث أبناؤها وبناتها وأحفادها، وحينا تحل في مدينة بريدة حيث والداها العجوزان المريضان شبه المقعدين. |
وبعد سنوات من التنقلات بين الرياض وبريدة، قررت مصاحبة من هو أحق بالصحبة وهما الوالدان على مرافقة الأولاد. كم يا ترى عمر أم محمد وعمر والديها إبان هذه المواقف؟ أما عمرها ففي السبعينيات، وعمر أبيها جاوز المئة ببضع سنوات وأمها تسعون عاماً أو تزيد. |
طول حياة ما لها طائل |
بغض عندي كل ما يشتهى |
أصبحت مثل الطفل في ضعفه |
تناسب المبدأ والمنتهى |
وبعد هذا العمر المديد أصاب والدها ضعف المشيب وخرف الكبر، وأمها تشاطر ذلك الزوج أمراضه وضعفه إلا أن عقلها وفكرها أفضل حالة منه ولكن تركز ضعفها في سمعها. |
كان الله في عون أم محمد ببرها بوالديها ورعايتها لهما، فالضعف والوهن صفتان تنتابها بين حين وآخر، فقد أصابها ألم في ركبتيها ووهن بجسمها فاستعانت بعصا تقوي ضعفها وتساعدها عند المشي، قالت مرة مازحة: هذه العصا لمن يخطئ فأعاقبه وليس للاستعانة بها. |
لم يدم بقاء أم محمد في بريدة، فلقد اشتاقت إلى أولادها وأحفادها في الرياض، فقررت الرحيل وقررت اصطحاب والديها المسنين المريضين، رغم وجود أخيها الوحيد (أحمد)، ويمكن أن يبقيا معه وهو مستعد ولم يقصر فترة وجود والديه في بيته في بريدة، وربما أن انتقال الوالدين إلى الرياض إرهاص للانتقال الأخير من الحياة برمتها، ووداع مرها وحلوها. استقر مقام الثلاثة في الرياض وكانت أم محمد بين جسم مثقل بالمرض، وأب هرم مقعد وأم ضعيفة مريضة، ولكن هذا الاجتماع لم يدم طويلاً فبعد مضي أقل من سنة توفيت والدتها -رحمها الله- في يوم الثلاثاء 15- 12-1428هـ بعد عيد الأضحى. فهل يحس والدها بفقد زوجته بذاكرته الضعيفة -وربما المفقودة- أم لا يدرك من الأمر شيئاً؟ قيل له لعلك تبيح أم أحمد فقال: عساها بحل، فخارت قواه تدريجياً، ثم أنهكه المرض فتدهورت صحته في يوم الخميس والجمعة وزادت حالته سوءاً واستدعى الطبيب فأفاد بسوء حالته وفي يوم السبت فقد الوعي وغاب عمن حوله تماماً، وقبل غروب شمس يوم الأحد 20-12 غابت روحه فرحمه الله. بقي والد أم محمد بعد وفاة زوجته أربعة أيام تدهورت صحته فيها وغاب عن الوعي فعاشا معا، ومرضا معا، وسافرا معا، وماتا معا، هكذا يعيش الزوجان روحاً واحدة في جسدين، أعوام عديدة قضاها هذان الزوجان بأفراحها وأتراحها، بضيقها وانفراجها، عشرة طالت وطال معها الوئام على مرور الأيام والأعوام، عاشا عيشة عصيبة ولكن الحياة لا تقاس بصعوبتها وقسوتها. |
ثمانية لا بد أن تجري على الفتى |
ولا بد أن تجري عليه الثمانية |
سرور وهم واجتماع وفرقة |
ويسر وعسر ثم سقم وعافية |
وإنما تقاس حلاوة الحياة بوجود من يشاطرك الألم ويخفف عنك الهم والسقم هكذا عاش والدها وهكذا فارقا الحياة. |
وكأن حال الزوج (أبو أحمد) يقول لا تصفو الحياة بعدك يا (أم أحمد). وكأني وحال (أم محمد) وهي تتلقى التعازي بوالديها تشعر برضى داخلي بما قامت به تجاه والديها، والقرب منهما في آخر عهدهما بالحياة. |
فيا من له أب أو أم أو كلاهما فلا شيء يعدل البر، وحلاوة الحياة بملازمتهما خصوصا حال كبرهما، فاخفض جناحك لهما وتلطف بعباراتك معهما وحقق رغباتهما وإن لم يصرحا بها. ويا أيها المتزوج زوجتك مهما قست وقصرت فهي السكن، ويا أختِ المتزوجة زوجك وإن سها أو جفا فيبقى هو حياتك فالزمي طاعته ولبي طلبه فهو لباسك. |
وهنيئاً لأم محمد وفاة والديها في بيتها وهما بتلك الحال من الضعف والكبر والمرض. وهكذا البر والخير إنما يتذوق طعمهما ويحس بلذتهما بعد انصرام زمانهما. |
قالوا: نراك عليل الجسم منحنيا |
تبيت طوال الليالي تشتكي الوجعا |
يا شيخ هل تشتهي شيئا؟ فقلت لهم |
عصر الشباب وعصر الوالدين معا |
|