Al Jazirah NewsPaper Monday  04/02/2008 G Issue 12912
الأثنين 27 محرم 1429   العدد  12912

ماذا تُفضل: الصيف أم الشتاء؟
عبدالله إبراهيم حمد البريدي

 

إني أعيش في أزمة كلما دخل الصيف أو أخوه الشقيق الشتاء.

وسبب الأزمة انطلاق لساني بالتذمر من حر الصيف، أو الشكوى من برد الشتاء القارس.

والتذمر والشكوى من قبيل الممازحة وبث جو المرح في البيت أو مع الأصدقاء، ولا تنقلب المسألة إلى جد مع اشتداد موجة الحر أو البر، بل يزداد معها التعليق، ومن لا يعرفني تمام المعرفة يظن أنني جاد في كل ما أقول، وهذا خلاف الحقيقة ولله الحمد، لأن السخط على أقدار الله وأحكامه لا يجوز ولا شك في ذلك.

وبسبب التقلب في الرأي، وانقلاب الحب إلى كره، والكره إلى حب، بدأ كل من حولي بالتذمر مني ومن شكواي وتقلبات رأيي!

ولكنني هذا العام أعلنتها على الملأ أنني من أنصار الصيف، ومن محبي وعاشقي ومغرمي حره اللهاب، ومن ألد خصوم برد الشتاء، وأن هذا الرأي لن أتراجع عنه قيد أنملة، ولقد عزمت على تسمية أول مولود قادم لي (صيفي) كتأكيد على هذا العشق والغرام لحر الصيف المؤنس الأنيس!!

وإني لأعجب ممن كان يلومني على تقلباتي حباً وكرهاً للحر والبر، فقد بحثت في أحوال الشعراء العرب ونظرتهم لحر الصيف وبرد الشتاء، فاكتشفت أني لم أكن بدعاً من الناس، فقد كان هناك تذمر وشكوى من حر الصيف وآثاره، وتذمر من برد الشتاء ونتائجه.

أبدأ بقول الشاعر طانيوس عبده:

قوتل الإنسان ما أكفرهُ

فهو لا يرضيه من حالٍ بقاء

يتمنى الصيف في وقت الشتا

ينكرُ الصيف إذا جاء الشتاء

وانظر إلى ابن الرومي وماذا أعد للشتاء:

جاء الشتاء ولم يُعدِدْ أخوك له

يا ابن الأكارم إلا الشمس والرِعَدا

فهو يقول : إنه لم يُعد للشتاء غير الشمس وقاية من برده، والارتعاد!

فهو في نظره يحتاج إلى الكثير غير الشمس والارتعاد!

فهو يحتاج إلى كساء وطعام جيد كافٍ، ونار تُدفئه ومن معه في بيته.

وهذا يُفهم منه ارتياحه واشتياقه للصيف (غير المكلف).

ويقول الشاعر صالح السويسي القيرواني:

رحل الشتاء ببرده وعذابه

وبجسمنا من بأسه آثار

وأتى المصيف بحره وسمومه

أفما لنا بين المنازل دار؟

وهذان البيتان يمثلان حالي (سابقاً) وحال أمثالي من المتقلبين في حب وبغض البرد والحر، قبل أن أعلن انضمامي إلى (مشجعي الحر) المتعصبين له!

أما الربيع بن ضبع الفزاري فهو على كبر سنه شبه فعل الشتاء به بالهدم، فياله من أثر ما بعده أثر، فماذا قال؟

إذا كان الشتاء فأدفئوني

فإن الشيخ يهدمه الشتاء

وأما حين يذهب كل قر

فسربال خفيف أو رداء

وهذا ابن دانيال الموصلي يوافقني تمام الموافقة في عظيم مكابدة الشتاء فقال:

بعث الشتاء يقول لي ماذا الذي

أعددته للقائي في ذا العام؟

وبأي شيء تلتقي جيشي إذا

قوس الغمام رمى الورى بسهام؟

والريح تصفر بالنفير وقد بدت

قطع السحاب الجون كالأعلام

وعليك من حُلل المصيف جُبيبة

للنقص قد هُرئت من الإبرام

فهناك ترجف رعدة وتود لو

أمسيتَ في مستوقد الحمام!!

ومما حفظته من الشعر عن ظهر قلب، لشدة موافقته لرأيي حول حُب الصيف وحره، وعدم الارتياح لبرد الشتاء قول معروف الرصافي في هذا الباب:

جاء المصيف فجفت الأنداء

وشكت يبوستها به الأشياء

وتوقدت عند الهجيرة شمسه

فتلمظت بلعابها الصحراء

مدت إلينا في الهجير أشعة

كالكهرباء نارها بيضاء

إني لأغفر للمصيف ذنوبه

ولو أن غارة هيفه شعواء

فالصيف أرأف بالفقير من الشتاء

ولذا تحب قدومه الفقراء

قلت به الحاجات فالفقراء في

أيامه والأغنياء سواء

ومن باب العدل وعدم التمادي في محاباة الصيف وحره أذكر بيتين لشاعر فضّل الشتاء على الصيف لنزول المطر فيه، وهذا قول ابن خاتمة الأندلسي:

جاء الشتاء بغيمه متحجباً

أهلا بسلطان الفصول ومرحبا

أعظم به ملكاً عليه مهابةً

عمّت كتائبه الأباطح والربا

وهناك من شعراء العربية من وقف محايداً فلا فضلوا شتاء على صيف، ولا قدموا صيفاً على شتاء، ومنهم ابن قلاقس الذي يقول:

يا من يرى فضل الشتاء

على المصيف كما تحكم

ما ذاك عندي جنة

فيكون ذا عندي جهنم

اسمع، هما ملكان كلّ

في ولايته معظم

وهناك من نقد الفصلين (الشتاء والصيف) على ما فيهما من خيرات، وجعل خير الفصول الربيع مثل الصنوبري.

وإني أوافق الصنوبري في قوله، فهو بيّن أن الشتاء والصيف فيهما ما يُحب وما يُكره، ولكن ماذا يُكره في الربيع؟

إن كان في الصيف ريحان وفاكهة

فالأرض مستوقد والجو تنور

وإن يكن في الشتاء الغيث متصلا

فالأرض محصورة والجو محصور

ما الدهر إلا الربيع المستنير إذا

أتى الربيع أتاك النور والنُور

هذا لا يعني بالنسبة لي التراجع عن تفضيل الحر على البرد، فأنا بيني وبين فصل الصيف معاهدة محبة ووئام، فعساه يرجع قريباً.

القول الفصل:

جاء في الحديث الشريف:

(اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف. فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها، وشدة ما تجدون من الحر من سمومها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

al-boraidi@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد