يتفق غالبية أفراد المجتمع على كون المعلم مصدراً عظيماً للمعرفة ومجسداً لثقافة المجتمع ونموذجاً للقيادة الاجتماعية الماهرة. وحين يذكر المعلم يذكر في معيته أنه صانع العقول ومؤهل للقيم وكذا المعايير والأخلاق.
ومعلم كهذا له كل تقدير واحترام الذي من شأنه أصدرت الأمم المتحدة ميثاقاً لحقوق المعلم الذي استحسنته ووافقت عليه كافة الدول في عالم يقدر المعلم ويثني على جهوده ويحترم فيه إنسانيته كون أنه إنسان ومن الدول التي وقعت على هذه الوثيقة الدول العربية كافة. وبناء عليه صار يوم الخامس من أكتوبر من كل عام عيداً يكرم فيه المعلم - وهو يوم صدور الميثاق العالمي لحقوق المعلم عام 1966م.
إن هذا الميثاق أكد على الدور العظيم الذي يقوم به المعلم في تقديم المعرفة ومنظومة الأخلاق الاجتماعية لبناء شخصية - الطالب - متوافقة مع الذات والآخر مما يجعله سوياً في علاقاته، ماهراً في تفاعلاته مع المحيط العلمي والاجتماعي على السواء.
ومعلم هذا شأنه يعتبر مهندساً اجتماعياً يتمتع بمهارات التواصل الاجتماعي الجيد، والثقة في النفس والرقابة على الذات الفاعلة وصلاح الضمير، واتباع مسلكيات قديمة إيجابية هادفة. والجدير بالذكر أن هذه المهارات والسمات ينعكس أثرها على الطلاب فتنمو تبعاً لها أخلاقهم وشخصياتهم ومهاراتهم وقدراتهم على مواكبة شؤون الحياة وتحدياتها وتعقيداتها التي يعج بها واقعنا المعاصر. وكم هو متغير مما يتوجب معه الالتفات لمعطيات المدرسة التربوية الحديثة والتي تحض على عدم الاكتفاء بالمناهج الأكاديمية فقط بل ضرورة أن يواكبها الاهتمام بالطالب في ذاته ومراعاة نموه الاجتماعي والنفسي حتى لا يكتسب سلوكيات مناهضة أو منحرفة، ويتوجب كذلك مراعاة إكسابه قيم التواد والتراحم ومراجعة الذات وتصرفاتها وتعزيز روح التعاون وتكوين الرأي السديد، ومهارات الحوار الرهين، والنأي عن الاتباع اللاواعي، والاعتداد بالتربية الأخلاقية والسلوكية، وتنقية ما فرضته العولمة عبر فضائياتها وتكنولوجياتها المعلوماتية ومواقعها الإلكترونية، واختراقات (الميديا) المستهدفة لوهن المشاعر والوجدانات والمسببة لسقم العقول - غير الناضجة - وخلق حالة من التوتر والقلق - غير المحسوب - ذي الأثر السالب في مجمل الاتجاهات الاجتماعية والأخلاقية لانسيابية الانزلاق لمهاوي الانحراف العلمي - غير المفيد للنمو الحضاري والإنساني - والأخلاقي. فنحن بأخلاقنا لسنا هم بسلوكياتهم، فصنيعهم القبيح ليس بما لدينا من حسن الطوية ومنظومتنا القيمية.
وهذا ما يرتضيه الاجتماعيون في النسق الاجتماعي والأخلاقي للمعلم المسؤول عن تعديل سلوك الطالب وعن تصديه للمشكلات الاجتماعية والاضطرابات السلوكية التي تعترض سبيل الطالب في مسيرته التعليمية وعلاقاته الاجتماعية، وتواصله الاجتماعي العام، وبلوغ أهدافه الحياتية.
ونحو هذه المنهجية في نمو المعلم الرشيد نجد معلماً هنا أو هناك قد حاد عن سواء السبيل وقد ضل الطريق وتهاون لديه قدرات ومهارات التهذيب، والتأديب المباح والممكن والمسموح لطلاب معاقين سلوكياً يحتاجون لمنهجية علاجية وليست عقابية من منطلق - النظريات التربوية لدى المدرسة السلوكية - حيث نرى أن العقاب لا يطفئ السلوك غير المرغوب فيه ولكنه يرجئه فقط وإن المعززات هي التي تدعم السلوك المرغوب فيه، فهل المعلم يعي ويدرك أسس التربية الصحيحة وإن كان ذلك فكيف نفسر ما خرجت به علينا جريدة الجزيرة الغراء الأسبوع الماضي من أن معلماً في مدرسة أهلية وآخر في مدرسة حكومية قاما بعملية تأديب لطالب هذا وآخر هناك كان من جراء هذا العقاب أن (كُسِرَ) ذراعا الطالبين.. فأيا كان الخطأ هل يقابله كسر الذراع؟ وإذا كان الخطر المرتكب - هذه المرة - يتكافأ مع كسر الذراع، فهل ثمة خطأ أكبر يقابله كسر الساق أو الرقبة؟ أو الرِّجل؟
وهل برامج إعداد المعلم - في بلدنا الذي يحكم بشرع الله - خطط دراسية ومقررات تحكم باستخدام العنف أساساً لضبط سلوك الطلاب وإبعادهم عن عشوائية العلاقات السلوكية وتجنب الشرور والآثام؟ والرأي لدينا لا.. وألف لا وإنما هو في إشاعة الطمأنينة ودعم النظام الخلقي والاجتماعي والتربوي.