Al Jazirah NewsPaper Monday  04/02/2008 G Issue 12912
الأثنين 27 محرم 1429   العدد  12912

الأنانية تعطيل للجهود
حمد عبدالرحمن المانع

 

كلما كان الإنسان معطاءً كلما ازدادت فرص النجاح سواء له أو للآخرين، ويتخذ العطاء أساليب متنوعة، فمنه ما يكون معنوياً ومنه ما يكون مادياً، ويلتصق العطاء بالأريحية، كبيئة خصبة تستقبل السقيا بلهفة، لتستنبت الأكل الطيب بقدر طيب الساقي، وحرصه على رؤية مآثر أعماله، كلما حصد الدعاء والثناء من الألسن، وهذا لعمري طيب الحصاد، وصدق الشاعر حين قال:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس

وهذا يوضح بجلاء أن الرصد للقيمة، أو بالأحرى للعائد من الخير خارج القياسات الدنيوية هو القياس المنطقي الصحيح فهو بين الله والناس فيما يتم استغلال هذا القياس، كأن يقدم الإنسان الخدمة مقابل خدمة أسديت له؛ لأن هذه النظرية ستكبل المشاعر، وتحاصرها في نطاق ضيق، بل وتخرجها من إطار القيمة الحقيقية لإسداء المعروف حينما ينحصر فعل الخير في المقابل الدنيوي، دون النظر إلى ما أعد الله سبحانه وتعالى من الأجر لفاعل الخير {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ} سورة البقرة(110) وهنا تتجسد العدالة بأسمى معانيها لتشمل من لا يستطيع تقديم خدمة معينة ليأخذ مقابلها، أي أن الخير وعمله سيصل إلى شرائح ليس لديها القدرة في مجاراة الآخرين لكي تحصل على المقابل، وهذا من رحمة الخالق بعباده، الذي خلق الناس وفضّل بعضهم على بعض، لحكمة بالغة، فكان جزاء المحسنين عند الله سبباً لتواصل المعروف وعمل الخير، وحينما يرتبط هذا المفهوم مع القيمة الحقيقية، ويتم استيعابه فإن في هذا تعزيزاً للتكافل والترابط، وتفعيلاً للأخوة بهذا الصدد، وينبثق من الأنانية صفات لا تعدو أن تكون تأسيساً للفُرقة والضغينة، والشتات، كالاحتكار والجشع والطمع، بل إن ذلك مدعاة لخنق التطور والنجاح، إذ إن الفراغ الذي سينشأ تبعاً لصيغة الاستئثار سواء كان بالمعلومة أو غير ذلك من المآثر الجميلة القيمة، سيؤدي إلى انتفاء العمل بروح الفريق، وسيولد انفراداً للجهود التي لن تؤتي أكُلها إذا كانت فردية ولن يكتب لها النجاح؛ لأن الجماعة أقوى بلا ريب ويد الله مع الجماعة، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الأناني مهما أوتي من حرفية تشعره بتحقيق النجاح وفق قناعاته وثقته المفرطة في بلوغ الهدف، إلا أنه سيتعثر ولن يستطيع إكمال المسيرة وتحقيق الهدف. وفي مجال تقديم الخدمة وقضاء حوائج الآخرين والتسهيل عليهم ومساندتهم، لا سّيما في المجالات الحساسة، كتقديم الخدمة العلاجية للمرضى، فإن التعاون يظل المحور الرئيس والمرتكز الأساس، لعلو مستوى الحس الأدبي والمهني بهذا الخصوص، وقس على ذلك المجالات الأخرى، فمهما كان الشخص على مستوى معين من القدرة المهنية أو المعرفية، إلا أنه يظل فرداً واحداً، ولن يستطيع أداء العمل على الوجه المطلوب، لأن العناصر التي يفتقدها والموجودة عند الآخرين، لم يتم استغلالها أو بالأحرى استثمارها لتفعيل التكامل بهذا الخصوص، وهكذا تثبت الأنانية بأنها مصدر لهدر الطاقة وسبباً رئيساً في تعطيل الجهود، وقيل في المثل الشعبي الدارج (ربع تعاونوا ما ذلو) وهذا المثل لم يكن إلا حصيلة تجارب، ويجسد بجلاء بأن التعاون أساس النجاح، بل أنه حائط الصد المنيع أمام الذل، لذلك حرصت الأمم على تفعيل هذا الجانب، وتنمية قيمة الإحساس بالمشاركة، فلامست آفاق التطور، وعطفاً على تطبيق هذا المفهوم الرائد الذي يقود بلا ريب إلى النجاحات المتتالية على جميع الأصعدة، أن تفعيل عنصر المشاركة ونبذ الأنانية يعد بلا شك محور ارتكاز الابتكارات المتجددة، فحينما تتلاقح الأفكار، فإن الناتج هو مزيد من الإحاطة بالجوانب المتعددة، فالعين الواحدة قد ترى الجانب الذي يوحي بالكمال في هذه الناحية، غير أن العبرة في النتائج، ولن تكون النتيجة مرضية طالما افتقرت إلى الإلمام بجميع الجوانب بهذا الصدد، بل سيعتريها شيء من النقص، والقصور في ظل سطوة الأنانية الموغلة في بتر النجاحات فضلاً عن عدم انسجامها مع الحس الإنساني النبيل في حين أن التجارب برهنت على ذلك، لذلك كان الشعار الذي ظل مرفرفاً على الإنجازات المختلفة وحافظاً للابتكارات المتعددة هو التعاون أساس النجاح.

Hamad_vemco@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد