لماذا غابت الطمأنينة وملأ الخوف حياة الناس؟ سؤال حائر في النفوس اللاهثة في زحام الدنيا ومتاعها القليل، بعد أن سقطت في مستنقع توترات العصر، فتكالبت عليها المخاوف والقلق والتوتر، بقدر ما ابتعدت هذه النفوس عن الدين الحنيف وتعاليمه السمحة التي فيها سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
لقد زادت أمراض العصر النفسية والعصبية والعضوية، وتشهد على ذلك المصحات والمستشفيات وكميات الأدوية التي يضنون فيها العلاج والشفاء الكامل، ولكن هيهات أن ينجح العلاج دون علاج الأسباب ومكامن الداء في النفس قبل الجيد، إننا أبناء أمة جعلها الله خير أمة ولكن ما يدعو للأسف والأسى أن الكثيرين أغرتهم مظاهر الدنيا وعرضها الزائل، فتاهوا في مجاهلها ودروبها وسرابها فلم تشبع النفس ولم تقنع، بينما حثنا الدين الحنيف على التقوى والصبر الجميل والرضا.
قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}. إن المؤمن عليه الأخذ بالأسباب والحرص على السكينة والتوكل على الله. قال سبحانه: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، كما وجهنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى طريق السعادة والطمأنينة بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح آمناً في سرية معافاة في بدنه عنده قوت يومه فكأنما جرت له الدنيا بحذافيرها) فعلام القلق، وعلام الخوف الذي تباينت صوره بين خائف من الفشل وخوف من الفقر وغير ذلك؟! لقد بلغ الأمر حد لجوء البعض إلى المشعوذين والاعتقاد الخاطئ في مسالك محرمة تدخل في الشرك بالله - والعياذ بالله - كأعمال السحر وهذا الضعف الإيماني في الأفئدة والنفوس غمرها وأغرقها في شباك القلق والخوف، ولم يعد لذلك الإنسان حيلة واستلم هؤلاء لبراثنه في غفلة من عقل وغياب للحكمة والرشاد والفطنة وكما بدأت هذا الأمر بسؤال؟! اختمه بسؤال ولكن هذه المرة بحثا عن سبل الرشاد والطمأنينة.. فكيف نزيل أسباب الخوف والقلق؟ (إن الطمأنينة في الإيمان والأخذ بالأسباب هو سبيل المؤمن. وعلى المسلم التوكل على الله. وأن يلتزم التفكير الهادي والوسطية والاعتدال. وأن يؤكد في نفسه دائماً القناعة ومراقبة الله في السر والعلن. وعلينا أن نسعى للوصول إلى النفس المطمئنة. وعلينا معرفة مواردنا واحتياجاتنا وألا نحمل أنفسنا أكثر من طاقتها. كما أن تنظيم النفس لا يقل أهمية عن تنظيم الوقت وعلى الإنسان أن يتجنب الانفعال وأن يتجه إلى النفس الهادئة والعاطفة السوية تجاه الآخرين وتجنب الصراع النفسي والمادي على لهو الدنيا. وأن تسهل من بعض النبع الإسلامي الحنيف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحرص على إقامة الفروض وأن نتسابق على الإحسان في معاملاتنا. وأخيراً أن نتجنب الغضب ومزالق اللسان وضيق الصدر وسوء الطباع. وبهذا تستقيم حياتنا حتى وإن تكالبت على أعصابنا متاعب العصر وتوتراته.