أشارت للمراقبة في صالة الاختبارات بلطف لأن توحي للجالسات بالهدوء... ثمة صوت يبعث في أذنيها
فوضى لا تتيح لها الكتابة في هدوء...
لكن المراقبة تؤكد لها أن ليس هناك أي صوت وبأن عليها الهدوء مع ذاتها فهي كما ترى المراقبة مضطربة بلا ريب...
تهز رأسها يمنة ويسرة لتخرج من جوفه فكرة أن ثمة صوتا (يتكتك) من مصدر ما قريب منها... لكن الصوت يواصل (تكتكاته)... وهي لا تود التلفت كي لا يظن بها محاولة الغش... فما أسرع الظنون في مواقف مثل هذه...
إن (التكتكة) تلح بصوتها في أذنيها... وسمعها لا يخطئها... تجاهلت الأمر لكنها بالتأكيد قد تعودت كتابة أفكارها في هدوء لا يقتحمها همس إلا ينقطع بها حبلها... ما تفعل غير التجاهل...
لملمت هدوءها ... واستلهمت صمما يراودها من قبل... بعد أن دست في أذنيها بأطراف شالها الوبري فالجو بارد وما أجمله وهو يبعث الصمت في أذنيها... لكن الشال يتحرك شيئا فشيئا كلما تحركت يدها نحو الورقة أو رأسها في متابعة السطور... و(التكتكة) تقتحم انتباهتها...
ما أن أنجزت تحبير السطور بعد أن أودعت فيها كل ما يمكنها تذكره من المعلومات التي استنهضتها الأسئلة إلا نهضت للخروج... سلمت الأوراق وهي تتجه للباب الخلفي للصالة لتغادر القاعة كان الصوت (يتكتك) بسرعة أقوى وبصوت أعلى ذلك لأنها كلما خطت نحو الباب كانت تقترب من مصدر (التكتكة)...
لم تكن ساعة حائط ولا آلة عد... فوجئت برأس ينكفئ على حافظة يقلب فيها وريقات دقيقة الخطوط... ينقل ما فيها لورق الإجابة... (تك تك) كانت حركة الوريقات تقلبها الأصابع للوصول لمفتاح الإجابات...
لم تعد للقاعة...
عادت بدهشتها نحو ذلك الرأس...
لم تجد ما تعالج به دهشتها إلا أن ضحكت كثيرا وكثيرا وكثيرا...
(فشر البلاء ما يضحك)...
ذلك لأن ما فقد من الصدق لم يكن ليعوض...
تلك الخسائر المتراكمة...
التي لا يغني عنها تطاول الأقدام في سلم الوثائق الورقية...