ما زلت أعتقد أن إحدى المشاكل التي تواجه العمل في السعودية تعود إلى التدريب. في كل مرة التفت حولي ألاحظ هذا بكل وضوح. من الصعب أن تجد صحفي أو إعلامي سعودي على قدر من الاحترافية. تحس عندما تقابل إعلامي سعودي أنه تعلم مهنته بأسلوب الصح والخطأ. تعلم كما يتعلم الإنسان البدائي قبل مليون سنة، يرتكب مليون خطأ حتى يوفق بالصدفة في الصح. هناك صحفيون وكتاب زوايا ومذيعون تجاوز عمرهم المهني عمر الصحافة نفسها ومع ذلك يرتكبون أخطاء المبتدئين. أحدهم يكتب منذ ثلاثين سنة وما زال يكرر نفس الأخطاء التي وقع فيها عند بداية حياته المهنية، يمكن أن أقول أن مكتسبات الإعلامي السعودي في المجال الإعلامي تأتي من الخبرة. عندما التفت على تاريخي مع العمل في الصحافة والكتابة فيها لا أتذكر أي أثر لأي توجيه منظم. كل ما تعلمته في حياتي المهنية اكتسبته بمجهود ذاتي محض. لا أتذكر أن أي من رؤسائي وجهني أو علمني أو انتقدني أو نصحني بقراءة كتاب معين أو حضور دورة والأمر لم يتغير مع الأجيال الجديدة من الصحفيين. نفس التخبيصات يعاد إنتاجها بدون توقف أكبر دليل على وضع الصحافة المحزن هو غياب الكوادر القيادية في الصحافة. إذا استقال رئيس تحرير تبقى الجرائد لينا فترات طويلة تبحث عن قيادة إلى درجة أن نلجأ إلى الجامعات لتعيين حملة الشهادات العليا مما يعني القناعة بعدم توفر المحترفين. وعندما تلتفت على صناعة الإعلام المرئي والمسموع ستلاحظ أن المسألة أسوء. لم يقدر التلفزيون السعودي بعمره الذي تجاوز الأربعين سنة أن يقدم إعلاميين أو حتى مذيعين محترفين. عندما تراجع أسماء المذيعين السعوديين على مدى الأربعين سنة الماضية من الصعب أن تفرز منهم خمسة تسميهم مذيعين محترفين. عندما تفكر في إصدار صحيفة أو قناة فضائية يمكن أن توفر المال اللازم والأجهزة المتطورة إلخ.. ولكن من الصعب أن توفر القوة البشرية التي تدير هذه المنشأة. الأصل في الإعلام السعودي هو الهواة. مما نسميهم المتعاونين. ودائما ما يضطر التلفزيون إلى الاستعانة بالصحفيين أو المثقفين لقيادة برامجه المهمة. الشيء الطريف على البرامج التي يقدمها سعوديون أن الأدوار معكوسة. الضيف يصبح مذيعاً والمذيع يتحول إلى ضيف، المذيع السعودي يعتقد أن من حقه التعبير عن رأيه حتى على حساب وقت الضيف. إذا قرأت تقسيم الوقت بين الضيف وبين المذيع ستجد أن حصة الأسد كانت من نصيب المذيع. نفس الاختلالات التي تعانيها الصحافة انتقلت إلى التلفزيون، وإذا كنا في الصحافة احتجنا إلى أكثر من خمسين سنة حتى نعجز عن تكوين كوادر قيادة ونصطدم بالجدار المسدود فربما نحتاج إلى ضعف هذا الوقت لنستمر في العجز عن تكوين قيادات ومهنيين محترفين في مجال التلفزيون.
فاكس : 4702164
yara.bakeet@gmail.com