إلى أي مدى ترى حاجتنا إلى أن نتعامل مع قضايانا بوصفها مسئوليتنا نحن؟ وهل نحن بحاجة إلى أن نعيد النظر في مستوى وعينا فعلا؟، ما هو شعورنا عندما نرى أن نعايش ممارسات جماعية أو فردية نعرف أنها ممارسات خاطئة.
سوف ينعكس ضررها السلبي على المجتمع العام ....
....وإن كانت لا تمسنا بشكل مباشر، هل نفكر جدياً في التغيير، هل نستشعر حقيقة المسؤولية .
كما لو أن هذه الممارسة تتم في دائرة حقوقنا الشخصية، لماذا تتفاعل بعض المجتمعات مع قضاياها بشكل جماعي منظم يسعى إلى تقويم الواقع في حين أن مجتمعات أخرى تكون ردود أفعالها متباينة وتدور في فلك المصالح الشخصية المحدودة؟
إن (للوعي) إشكالية تبرز في أن الواقع الحالي -من خلال ما يتعرض له من تغييرات متسارعة ومعطيات متداخلة- جعلت استيعاب معظم الناس له أمراً بالغ الصعوبة، فالوعي ليس المعرفة وإن كانت المعرفة في كثير من الأحيان جزءاً رئيساً منه، كما أن الوعي ليس السلوك وإن كان السلوك الواعي نتاجاً طبيعياً له، إن وعي الأفراد والمجتمعات بمسئوليتها يتمثل في ثقافة يتشربها الأفراد تؤثر على طريقة تفكيرهم وتقويمهم للأشياء وتنعكس على عاداتهم وممارساتهم اليومية بحيث يتعاملون مع ما حولهم بكفاءة وإيجابية وفق إطار جماعي منضبط ومتسق.
ويؤكد المختصون أنه من الصعب أو من غير الممكن أن نوحد مجتمعاً أقوى من مجموع أفراده، فالمجتمعات تقاس حيويتها بمجموع المبادرات الفردية فيها، وترى طائفة من علماء الاجتماع أن المجتمع النموذجي -في واحدة من أبرز صور حيويته ووعيه- هو الذي يقوم بشؤونه أو بأكثرها دون الحاجة إلى مساعدة الدولة.
ولك -أخي القارئ- أن تتصور لو لم توجد جهة تتولى مسؤوليات التعليم أو جهة تتحمل مسؤوليات الأمن أو الصحة، هل سنبقى وأبناؤنا بلا عليم أو أمن أو صحة؟
قد لا نتوقع النقلة الهائلة التي سنمنحها للمجتمع فيما لو تم الارتقاء بالوعي الاجتماعي العام، فإن السلوك العام يتم تحقيقه في عموم المجتمع عن طريق التوريث والمحاكاة! ولنتأمل أنه لا يوجد في مناهجنا التعليمية -من أول يوم تنظم فيه العمل التربوي- شيء اسمه (كيف ترتدي ملابسك؟) ومع ذلك فإن سواد الناس يحسنون ارتداء ملابسهم إلى حد التأنق المبالغ فيه أحياناً.
السلوك الاجتماعي -بما يتضمنه من عادات وقيم وتصورات- يتم تعلمه في عمليات تبادلية بين أفراد المجتمع وطبقاته، ولذا ينتشر اللطف واللباقة بين أفراد ويتفشى الجفاء والبلادة بين أفراد، ويسود قتل الوقت وإهداره بين أفراد، ويتميز مجتمع بجدية وحرص في مقابل ممارسة مجتمع سلوك اللامبالاة.
ثمة تجمعات ما يزال مستوى وعيها ونضجها الفكري في أول درجاته، فصور اعوجاج التفكير هي السائدة بين أفرادها، وانخفاض الدافعية الذاتية والمبادرة والإيجابية تخيم على تلك التجمعات.
ومع ذلك فإن حالات تأزم الفكر والوعي كثيراً ما تنشأ من هيمنة أفكار وهمية تسود بين أفراد المجتمع، ويبالغ في الرهبة من اختراقها أو عدم الطموح في تجاوزها. ومن المؤسف أن عدداً من الناس - الذين يتشكل بهم المجتمع - اقتصرت مشاركاتهم الاجتماعية على الحشد الجسدي دون المشاركة الفكرية الفعالة، بل من خلال الانهماك في استهلاك المنتجات العصرية دون الإسهام في إنتاجها أو الطموح في ذلك.
لقد تسللت نظم تجارية (ما) إلى المجتمع حتى تمكنت منه، ثم استمرت في التدفق حتى هيمنت على معظم نواحي الحياة فيه، الأمر الذي ينذر باضطراب العلاقة بين المسؤولية الفردية والمسؤولية الجماعية، واختلال التوازن بين الحقوق والواجبات، ونسيان الغاية الحقيقية في الحياة. نعم قد لا تتواءم الأحوال المباشرة لعمل شيء من شأنه تحقيق أهداف عظمى بجهود فردية، لكن هذا لا يعني أن يتخلى أفراد المجتمع عن الأهداف وانما يتعين أن يجددوا الإيمان ويشحذوا الهمة ويقووا العزيمة.
وثمة أفراد يحاولون - مشكورين - الارتقاء بوعيهم فيشكلوا مجتمعات نخبوية، لكن لا ننس أنهم سيبقون نتاج مجتمعهم، والسلبيات الاجتماعية تتقلص في النخب ولكنها لا تخفي، وكثير من أزمات الأوساط النخبوية يعز أن يتوصل إلى علاجها ضمن وضعية الوسط فقط، وانما في تحسين الواقع الاجتماعي المحيط، ومن المستبعد التوصل إلى نتائج كاملة في وسط غير كامل.
إن وعي المجتمع بجميع أفراده بالمسؤولية الجماعية وبالحقوق والواجبات الفردية ووجود علاقة إيجابية تكاملية بين الحقوق الذاتية والحقوق الجمعية سوف يسهم دون ريب في معالجة كثير بل كثير جداً من قضايانا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بل والسياسية أيضاً، فهل نحن على استعداد لتحمل مسؤولياتنا الاجتماعية والتخلي عن بعض مصالحنا الذاتية في سبيل تطوير مجتمعاتنا وتحقيق مصالحنا، وفي سبيل الارتقاء العام الذي يعود نفعه وخيره على الأفراد والجماعات.