Al Jazirah NewsPaper Monday  04/02/2008 G Issue 12912
الأثنين 27 محرم 1429   العدد  12912
مشروع الجمعيات والمؤسسات الأهلية الجديد (2)
د. عبد الرحمن الحبيب

عرضت في المقالة السابقة قراءة موجزة لمشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي أقره مجلس الشورى مؤخراً ورفعه لمجلس الوزراء للبت فيه. وهنا في هذه المقالة سأناقش أهم المواد الجديدة في المشروع أو تلك التي أرى أنها أجدر بالملاحظة....

....يمكن القول: إن مشروع النظام تمت صياغته بعناية فائقة، وكان الإطار العام منهجياً موضوعياً مكوناً من 51 مادة تتوزع على سبعة فصول، كل فصل محكم الترابط، باستثناء الفصل الأخير الذي خصص للأحكام العامة التي لا ترتبط ضمن رابطة موحدة. كذلك تم الانتقال بين الفصول بمنهجية محكمة.

من الجديد المميز في الفصل الأول إضافة هدفين إلى أهداف النظام في المادة الثانية وهما، نصاً: الهدف الرابع: تفعيل ثقافة العمل التطوعي بين أفراد المجتمع، والهدف الخامس: تحقيق التكافل الاجتماعي. الهدف الرابع يعد من الخصائص المهمة للمجتمع المدني، ويختلف عن العمل الخيري الذي يقوم فيه الفرد غالباً بالتبرع والدعم دون المساهمة المباشرة، فالتطوع يشمل الرأي والعمل والتمويل مع ما يتبع ذلك من تنظيم اجتماعي مدني، وصقل مهارات والاستفادة من الخبرات، وشعور بالمسؤولية الجماعية، والمشاركة في إدارة المجتمع وتطويره، والمساهمة في التنمية الوطنية. أما الهدف الخامس، فرغم دقته والأهمية العظمى له إلا أنه يحتاج لتوضيح لاحق، ربما في المذكرة التفسيرية.. فكلمة (تحقيق) طموحة جداً مقارنة بتفعيل أو تنشيط، وعبارة (التكافل الاجتماعي) عنوان عريض جداً.

في المادة الثالثة أيضاً أضيف لأغراض الجمعيات النشاط الذي يتعلق بحقوق الإنسان، وحماية المستهلك، وسلامة البيئة، وهي إضافات موفقة تتوافق مع المرحلة التي نمر بها واهتمامها بهذه الموضوعات الثلاث، وخصوصاً حقوق الإنسان التي أصبحت في صدارة القضايا الإنسانية عالمياً.

في الفصل الثاني ثمة ملاحظة إيجابية تتناسب مع أجواء الإصلاح التي تشهدها البلد، وذلك في إعطاء الجمعيات مزيداً من المرونة والاستقلالية، كما في المادة السادسة حول مهام الهيئة، حيث تم تجنب استخدام عبارة (مراقبة أداء الجمعيات) التي كانت تكبل الجمعيات، واستعيض عنها بعبارة (متابعة أداء الجمعيات) باستثناء الرقابة المالية. كما يلاحظ إقراره الضمني للتنسيق بين الجمعيات مع جهات خارج المملكة وفقاً لبنود النظام والقواعد اللازمة لذلك، وذلك أيضاً ينسجم مع ما تشهده الدولة من انفتاح إيجابي في التعامل مع الخارج. كذلك الإشارة للمرة الأولى لمسألة الاتحادات عند تطرقه لدور الهيئة في اعتماد اللوائح، مما يضيف مزيداً من الدعم لبوادر المجتمع المدني.

ورغم أن الفصل الثالث يواصل دعم حالة المرونة والاستقلالية في عمل الجمعيات، مثل السماح بإنشاء فروع داخل المملكة، والموافقة على تلقي الإعانات الخارجية بعد إذن مسبق من الهيئة الوطنية للجمعيات، والسماح باندماج الجمعية في جمعية أخرى، وعدم اشتراط حضور مندوب الهيئة لاجتماعات الجمعية العمومية، ولا حق لمندوب الهيئة في التدخل بانتخاب مجلس الإدارة، إلا أن ثمة مواد تحد من تلك الاستقلالية.

فمن أهم مرتكزات الاستقلالية هو سلامة وعدالة إجراءات حل الجمعية، حيث أعطى المشروع الحق لمجلس الهيئة في التعليق المؤقت لنشاط الجمعية بعد توافر الأدلة الكافية وبقرار مسبب، والادعاء أمام القضاء المختص بحل الجمعية، ولكن لم يوضح مدة التعليق بفترة زمنية محددة (مادة 27). هذا يعني أن بإمكان الهيئة إيقاف نشاط الجمعية دون الرجوع للقضاء، ولأجل غير مسمى! ورغم أنه أعطى الحق للهيئة والجمعيات في الاستئناف أمام القضاء، فإن الاستئناف على الإيقاف المؤقت لنشاط الجمعية يضع قاعدة التظلم الخطأ، الذي يطالب المدعى عليه بإثبات براءته بدلاً من أن يطالب المدعي بإثبات دعواه! وعلى نفس قاعدة التظلم الخطأ نجد أن المادة 22 تجيز لمجلس الهيئة -بقرار مسبب- تعيين مجلس إدارة مؤقت للجمعية، مع حق مجلس الإدارة السابق في التظلم أمام القضاء، بدلاً من أن يكون حل مجلس الإدارة بقرار قضائي.

كذلك من أهم دعائم تحفيز مؤسسات المجتمع المدني هو تسهيل وتقنين إنشاء الجمعيات ووضوح الإجراءات، إلا أن المادة العاشرة المعنية بإنشاء الجمعيات ينقصها الكثير الذي لم تحدده. إذ يلاحظ في شرط موافقة الهيئة على إنشاء الجمعية أنه لم يتطرق إلى حالة رفض الهيئة لإنشاء الجمعية، ومن ثم هل سيكون الرفض مسبباً؟ وهل لمقدمي طلب الإنشاء الحق في التظلم؟ وهل سيكون رد الهيئة خلال فترة زمنية محددة بعد الطلب أم يترك الوقت مفتوحاً لأجل غير مسمى؟

هذه أسئلة نتمنى أن نرى إجابة عليها، ولو في مذكرات تفسيرية ولا تترك لاجتهادات بيروقراطية.

عدا عن هاتين الملاحظتين الأساسيتين فإن فصول النظام تستمر في إيجابيتها، حيث في الفصل الرابع أجاز المشروع لأي جهة حكومية التعاقد مع إحدى الجمعيات لإدارة مؤسسة تابعة له أو تنفيذ بعض مشروعاتها، وهذا سيعمل على دعم مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في التنمية الوطنية، فنحن نجد في الدول المتقدمة أن بعض مؤسسات المجتمع المدني تقوم بأدوار ضخمة تتعدى ميزانيتها ميزانيات دول، من خلال مشاركتها مع قطاعات حكومية. كذلك لمزيد من مشاركة المجتمع يعترف المشروع بالصناديق الأهلية ويضفي عليها مشروعية عملها كمؤسسات. ويضاف إلى ذلك إعطاء الجمعيات الحق في إنشاء اتحادات نوعية فيما بينها بهدف أن يقوم المجتمع المدني بتنظيم نفسه ويكون هناك رقابة داخلية من خلال تلك الاتحادات، وذلك حسبما أشير في الملاحظات المرفوعة من مجلس الشورى.

إيجابية مشروع النظام هذا ليست إلا القاعدة الأساسية الأولى في الموقع المناسب لبناء مؤسسات المجتمع المدني، ويبقى تكملة البناء عبر مرتكزين أساسيين، هما: 1- فعالية الأداء الوظيفي للمؤسسة، 2- درجة حرية واستقلالية المؤسسة ومجال صلاحياتها فليس المهم هو مجرد إقرار أو إنشاء الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، بل المهم هو فعالية هذه المؤسسات للمجتمع، فنحن نرى حالياً العديد من المؤسسات الاجتماعية والأدبية والعلمية والثقافية والصحفية والعمالية والمهنية يكاد يكون أغلبها معطلاً أو قليل الفعالية!!

كما أن على الجهات الرسمية -خصوصاً المشرفة على نشاط المؤسسات- أن تتحلى بالمرونة في السماح بمزيد من الصلاحيات لهذه المؤسسات ضمن نطاقها الوظيفي المعلن وعدم التشدد في سقف تلك الصلاحيات وتقبل الرؤى المختلفة.

فلهذه المؤسسات دور تكاملي مع الدولة.. دور يوازي ويدعم نشاطات الدولة وليس بديلاً عنها، ولا مجرد تابع لها.. دور يحقق التوازن مع سلطة الدولة في إطار من التكامل وتقسيم العمل والتعاون على تحقيق كل ما هو خير ومنفعة عامة للمجتمع. كذلك على الجهات الرسمية القيام بتوعية العموم وإرشاد الناشطين وتشجيعهم على إنشاء الجمعيات وتسهيل إجراءات تفعيلها، وليس فقط سن القوانين ومراقبة تنفيذها.



alhebib@yahoo.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6848 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد