«الجزيرة» - هلال القرشي
انطلاقاً من حرصنا لتقديم ما يهم المستهلك في جميع الأوجه التي يمرّ بها يوميّاً.. حرصنا على تقديم هذه الصفحة لتكون نبض المستهلك، وتعكس جميع متطلباته وآرائه.. وتأكيداً لتقديم حمل ما يلمس حياة المستهلك فإننا نقدم الدعوة للجميع للمشاركة معنا لتتضافر الجهود لإبراز جميع قضايانا الاستهلااكية والمتطلبات حولها. للتواصل الاتصال على صفحة الاقتصاد والناس على: 4870000 تحويلة 516 أو على فاكس:4870939
صحراء قاحلة تحيط بالنطاق العمراني لمدينة الرياض، في ظل وصول سعر بعض الأمتار الرملية فيها إلى خمسة آلاف ريال سعودي، من هنا كانت البداية، فالإقبال منقطع النظير على طلب السكن داخل الرياض يرى فيه الكثيرون سبباً لما يعتري أسعار الإيجار من زيادة كبيرة! إن صغر حجم النطاق العمراني للمدن مع اتساع مساحتها وكثرة الأراضي البيضاء حولها أصبح يكبد المواطنين أعباء كانوا في غنى عنها لو أن تلك الأراضي البيضاء كانت قد استغلت من قبل تجار العقار ولكن ....
****
الفكرة خطأ!
يقول محمد الشهراني أحد المستأجرين، إن فكرة الاستئجار أصلاً فكرة خاطئة، فلو أن لدينا بنوكاً تتفهم الوضع لكان هناك تنسيق بين المالك والبنك على أن يتم استقطاع مبلغ الإيجار مباشرة من حساب العميل لدى البنك واعتبار ذلك بمثابة قسط لتملك المسكن وفق ما يُسمى بالتأجير المنتهي بالتمليك الذي تمارسه الآن العديد من شركات السيارات لتسويق سياراتها وفي حال عدم استكمال المستأجر لمبلغ التملك يكون المالك قد أخذ حقه من الإيجار مقابل المدة التي استهلك فيها عقاره ويكون المستأجر قد استفاد مما دفعه كإيجار، ولكن أحمد السميري يرى أن ذلك غير ممكن في ظل تنامي ما أسماه جشع التجار والملاك الذين رفعوا أسعار الإيجارات بدون مبرر.
قصة الارتفاع
جشع التجار أم زيادة أسعار مواد البناء أم الأراضي؟... ما هي أسباب الارتفاع التي اعترت المساكن في غالبية مدن المملكة ففي بعض أحياء مدينة الرياض وصل ارتفاع أسعار الإيجارات إلى أكثر من 25% فمن خلال جولة (الجزيرة) على عدد من مكاتب العقار كان هناك عدد من الوحدات السكنية التي كانت تستأجر بـ20 ألف هي الآن لا تتوفر بأقل من 25 ألف ريال.
فمحمد الشويعر يرى أن السبب الأول لزيادة الإيجارات بهذا الشكل المخيف هو جشع التجار ولكن هاني الشامي أحد المستثمرين في مجال العقارات يرى أن التجار ضحية كما أن المستأجر ضحية أيضاً ويؤكد أن ارتفاع مواد الباء خلال العشر سنوات الأخيرة وصل إلى 75% في بعض المواد خصوصاً التي يدخل فيها النحاس وهذا بالطبع لا بد من أن يلقي بظلاله على القيمة النهائية للمنتج الذي هو الوحدة السكنية، ويضيف الشامي أن ارتفاع أسعار الأراضي له دور كبير في عملية ارتفاع الإيجارات.
مكافحة الغلاء
أما مصطفى العمار فيقول: لو كنا نملك مؤسسات حكومية لمكافحة للغلاء ومهتمة بالشأن العقاري لاتضح لنا من المسؤول عن هذا الغلاء الموجود، فبدل من أن يلقي كل طرف باللائمة على الآخر يكون لدينا معلومة صحيحة بالمتسبب الرئيس في هذه الارتفاعات المتتالية لأسعار الإيجارات التي تعتبر ضرورة حياتية للمواطن والمقيم، فوجود مؤسسات تكافح الغلاء وتبحث في أسبابه ومسبباته على كافة الأصعدة أملٌ كبير نتمنى أن يتحقق.
عزوف التجار
محمد العيدي أحد المستثمرين في مجال المقاولات الإنشائية يرى بأن هناك العديد من العوامل التي أدت إلى عزوف التجار عن الاستثمار في بناء الوحدات السكنية فارتفاع أسعار كل ما هو متعلق بالبناء من أراضٍ ومواد يجعل التجار يفكرون ألف مرة في جدوى مشاريعهم الاستثمارية المتعلقة بالوحدات السكنية كما أن غياب القوانين التي تحكم عملية سداد الإيجار وصعوبة بعض الأنظمة الحكومية في هذا المجال لها دور في عزوف التجار عن الاستثمار في مجال بناء الوحدات السكنية الذي أدى بدوره إلى قلة العرض في ظل زيادة الطلب.
الانخفاض في أطراف المدينة:
لم يكن يدور بخلد محمد القرني أن يسكن في أحد الأيام هذا الحي الذي يقع في طرف مدينة الرياض الشرقي والسبب كما يقول هو غلاء الإيجار حول مكان عمله بجوار أضخم بنايتين في المدينة فسعر الشقة هناك تجاوز الثلاثين ألفاً لكنه هنا يسكن في وحدة سكنية تكفيه هو وأفراد عائلته بما لا يتجاوز العشرين ألفاً ويضيف القرني أن انخفاض أسعار الإيجار في أطراف مدينة الرياض تغري المستأجرين الذين يعملون في المناطق الراقية وسط مدينة الرياض.
والتقت (الجزيرة) عدداً من المواطنين العاملين بمدينة الرياض الذين اختاروا المزاحمية مسكناً لهم حيث يقول رائد الحربي إنه لا يشعر بأي تعب عندما يقطع أربعين كيلو متراً يومياً ذاهباً لعمله لأنه وفر بذلك ما يزيد على 10 آلاف ريال سعودي كانت ستذهب إلى ملاك العقار بالرياض لولا وجود المزاحمية كخيار خصوصاً مع انخفاض أسعار البنزين ووجود شبكة طرق جيدة.
العمل والمسكن.. وزيادة الإنتاج
يرى الخبير الاجتماعي عادل الملحم أنه يتوجب على الشركات أن توفر سكناً لموظفيها في أي مكان إذا لم يتيسر لها توفيره بجوار مكان عملهم ومن ثم توفر لهم المواصلات التي تنقلهم من وإلى العمل، مؤكداً أن ذلك له دور هام في زيادة إنتاجية الموظف للمنشأة وارتياحه للعمل فيها، مشيداً بتجربة عدد من الشركات كسابك التي منحت موظفيها منازل مقابل أقساط تستقطعها من مرتباتهم الشهرية؛ ودعا الملحم الشركات العقارية الكبرى إلى التوسع في فلسفة المسكن الميسر التي نرى فيها بعض التجارب المحلية التي نتمنى نجاحها.
الإيجارات والتضخم
يرى عدد من الاقتصاديين أن الإيجارات هي أحد الأسباب الرئيسة في التضخم فآخر الإحصائيات تشير إلى ارتفاع التضخم 6.5% خلال ديسمبر الماضي مسجلاً أعلى مستوياته منذ عام 1995م مما يحتم على الجهات المختصة كبح جماح التضخم من خلال معالجة ارتفاع الأسعار في المجال العقاري كمجال رئيس في تكاليف المعيشة وقد ذكرت مصلحة الإحصاءات العامة أن التضخم يعود إلى عدة عوامل كان أبرزها ارتفاع الإيجارات إلى 15%.
خطابات النكبة!
هكذا وصفها المستأجر عبدالعزيز الزهراني حيث أخرج لنا خطاباً وزَّعه صاحب العقار على عدد من العقارات التابعة له ليخبرهم بزيادته الإيجار بنسبة 20% مع بداية العام الجديد ويقول الزهراني إن صاحب العقار الذي يسكن فيه زاد أسعار الإيجار 4 مرات خلال الخمس سنوات الأخيرة، متسائلاً: هل في كل عام يقوم ببناء العمارة من جديد؟! إنها نفس العمارة في نفس الأرض فلماذا إذن الزيادة الخيالية والمتلاحقة؟
40% من المسكن لا يُستخدم
قامت (الجزيرة) بإجراء دراسة على عينة من سكان الشقق في شرق مدينة الرياض وكانت نتيجة الدراسة أن هناك 87% منهم يستخدمون فقط 50% مما يحتويه المسكن و2% يستخدمون 75% و4% منهم يستخدمون 100% و7% يستخدمون 25% وأن مجالس الضيافة وملحقاتها لا تُفتح في العام إلا بضعة أيام خصوصاً مع وجود الاستراحات والمتنزهات وندرة العلاقات الاجتماعية في مدينة الرياض التي يغلب عليها طابع العمل، ويؤكد الدكتور صالح السرحاني أن ذلك يمثل خطراً على ميزانية العائلة السعودية ويعطي صورة سيئة عن وجود ثقافة استهلاك خاطئة، فالعريسان مثلاً في المملكة لا يمكن أن يسكنوا في وحدة سكنية تقل عن 3 غرف في حين أنهم لا يحتاجون إلا نصفها خصوصاً في بداية حياتهم الزوجية وفي ظل عدم وجود الأبناء وهذا ينبغي أن يُنظر له بعين الاعتبار فلو أن كل شخص اكتفى بحاجته في السكن لوجدنا أننا نملك غرفاً لا تُستعمل إلا في كل عام مرة أو مرتين.
ميزانية العائلة في خطر
يشتكي المواطن عثمان المذكوري من الخطورة التي يمثلها الإيجار على الميزانية العائلية حيث يقضي الإيجار على أكثر من 30% من مرتبه الشهري البالغ 4 آلاف ريال ويضيف أنه لولا وجود أعمال أخرى له لما استطاع مواكبة هذه الإيجارات المرتفعة براتبه الشهري المتواضع ويطالب المذكوري الجهات المعنية بإعادة النظر في بدل السكن الذي يُمنح للمواطن وضرورة مواكبته لأسعار الوحدات السكنية.
حلول تنتظر التنفيذ
لا توجد مشكلة إلا ولها حل أو عدد من الحلول ومشكلة ارتفاع الإيجارات طُرح لها عدد من الحلول من خلال جولتنا في عدد من مكاتب شركات العقار والمقاولات؛ مفرح الزهراني موظف بقسم الإيجارات في أحد الشركات يطالب بضرورة تفعيل فكرة التأجير المنتهي بالتمليك للوحدات السكنية بنفس الآلية المنفذة في السيارات، فمتوسط الإيجارات السنوية في السعودية للوحدات من فئة الشقق يصل إلى 20 ألف ريال سعودي فخلال 10 سنوات يكون الشخص قد تملك الشقة التي يسكنها من خلال تنفيذ هذه الفكرة واقترح أيضاً الزهراني بأن تتبنى الحكومة خطة لبناء مساكن لمتوسطي الدخل ومحدودية وتمليكهم هذه المساكن من خلال نسبة فوائد معقولة، مؤكداً أن هناك عدداً من التجارب التي لم يُكتب لها القبول لعدم اقتناع المواطن بها كما أكد على ضرورة الرقابة على أسعار الأراضي وأسعار مواد البناء التي ستحكم ارتفاع الإيجارات حتى لا يكون للعقاريين باب يخرجون منه عند مساءلتهم عن الارتفاع.