إن الاهتمام بالطفل والتفاعل البناء في حياته، الذي يرتبط بأدوار مناسبة مع الآخرين ومع أسرته ومع المجتمع ضرورة أساسية في تحقيق التكيف الاجتماعي للطفل والتوازن الشخصي في حياته. ويعتبر الاهتمام بالطفل من أهم مجالات الاستثمار في محيط الأسرة بشكل خاص والوطن بشكل عام، لا سيما إذا علمنا أن سكان الوطن العربي يبلغ نحن 280 مليون نسمة تشكل الفئة العمرية التي من 17 سنة فأقل ما نسبته 46.7% من إجمالي عدد السكان.
وتجمع الشرائع السماوية على نبذ العنف بكل أشكاله وصوره سواء داخل نطاق الأسرة أو في محيط المجتمع. وسواء كان ضد الأطفال أو الكبار.. وهناك عدد من الإرشادات تخبرنا بها الشريعة الإسلامية السمحة حول هذا الموضوع، على سبيل المثال ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش)، وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من العنف). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي عل ما سواه).
وفي ظل التراث الإسلامي المضيء حول العنف، والتعامل الإنساني بشكل عام، وأيضاً في ظل السياسات العامة في مجال رعاية الأسرة والطفولة السابقة الذكر في بعض الدول العربية إلا أن هناك بعض الممارسات من قبل الوالدين والمربين في التعامل مع الأطفال.
والإنسان في أخلاقه وسلوكه وتفكيره هو ابن ثقافته ومجتمعه فهو إلى حد بعيد صورة عن البيئة الذي يعيش فيها والمحيط الاجتماعي الذي تربى فيه فإذا كانت البيئة الاجتماعية التي عاش فيها هذا الطفل تسود فيها مبادئ سلوكية سليمة مستمدة من الثقافة الأصيلة والعقل الرشيد فإن عملية التنشئة تكون سليمة وبقدر ما تكون المبادئ والأسس غير صالحة أو فاسدة بقدر ما تنعكس صورتها على تصرف وسلوك الطفل.
وكما يذكر أحد الباحثين أن وظيفة الأسرة المرتبطة بعملية الضبط الاجتماعي تمتد إلى قيامها بنقل القيم السلوكية لأطفالها ابتداء من مرحلة الحضانة إلى المرحلة التي يستقل الفرد فيها عن أسرته. ولذا إذا قامت الأسرة بأداء رسالتها العظيمة في التنشئة الأسرية والاجتماعية بترسيخ القيم الأخلاقية لدى الأطفال فإنها ستسهم في حمايتهم من الوقوع في الانحراف والمخاطر، بشرط أن تصاحب ذلك قدوة صالحة من الأبوين والمحيطين بالفرد داخل الأسرة، ولذلك فإن فشل بعض الأسر في قيامهم بعملية التنشئة الأسرية على أسس تربوية واجتماعية أدى إلى وقوع الأفراد من أحداث وأطفال في الوقوع بانحرافات أخلاقية وسلوكية وفكرية.
والأسرة هي التي يتم فيها اكتساب العادات والاتجاهات والتوقعات وطريقة الحكم على الأمور وتشكيل أنماط السلوك، وتعتبر الأسرة السلاح القوي الذي يستخدمه المجتمع في عملية الضبط الاجتماعي لأن الفرد داخل الأسرة في سنواته الأولى سهل التطبيع ويقبل التوجيه.
ويشير الدكتور Paul Coleman إلى أن إحدى الدراسات التي أجريت في جامعة (الينوي Illinois) أن هناك ثلاث طرق يتصرف بها الآباء عندما يتشاجر أبناؤهم.
الأولى: هي تعليم الأطفال إستراتيجيات في التعامل كالتفاوض، والحلول الوسطى وحل المشكلات. والطريقة الثانية: هي معاقبة الأطفال. والطريقة الثالثة: هي تجاهل المشاجرة. وبالرغم من إيمان الآباء والأمهات بأن تجاهل المشاجرة هو أقل الطرق فائدة فمعدل استخدامهم لهذه الطريقة يزيد ثلاث مرات عن استخدامهم للطريقتين الأخريين، وعندما يلجأ الآباء إلى معاقبة الأطفال فهم يفعلون ذلك بسبب عدم ثقتهم في قدرتهم على تعليم أبنائهم الطرق الفعالة لحل مشكلاتهم كالتفاوض وغيرها. لا بسبب اعتقادهم أن العقاب هو الأسلوب الأمثل. وخلاصة القول هي أن الآباء يحتاجون إلى الثقة في أنفسهم وقدراتهم حتى يتمكنوا من مساعدة أبنائهم على تعلم كيفية حل مشكلاتهم بأنفسهم، وهذا يحتاج إلى وقت وتدريب، إلا أن الفائدة منه تستحق العناء في واقع الأمر.
ويشير الخبر الذي نشرته صحيفة الجزيرة يوم الاثنين 20-1-1429هـ أن هناك (569) حالة عنف أسري وإيذاء جسدي وتحرش جنسي حدثت خلال عامين: 1426هـ و 1427هـ، إلا أن هذه الأرقام تحكي فقط الحالات التي تجر أصحابها وبلغوا عنها!.
كما أن هذه الأرقام بكل تأكيد لا تصور ولا تعكس الواقع الفعلي لحجم مشكلة العنف الأسري وإيذاء الأطفال. مما يتطلب الواقع الاجتماعي للمجتمع السعودي مزيداً من البحوث الاجتماعية الجادة عن طريق المختصين والباحثين بل وتوجيه طلاب الدراسات العليا في أقسام الاجتماع والخدمة الاجتماعية في الجامعات السعودية لدراسة مثل هذا النوع من القضايا المستجدة على الساحة.
أستاذ الخدمة الاجتماعية المشارك - جامعة القصيم