يقول الاقتصاديون إن كلفة المحطات النووية التشغيلية أقل من المحطات الأحفورية، وإن كانت عملية تشييد المحطات النووية مكلفة كخطوة أولى، إلا أنه لا غنى عن هذا المصدر الحيوي والقادر على إحداث نقلة نوعية في الحياة الاقتصادية في المملكة، كما أن رخص الطاقة الكهربائية المنتجة منها تمكن من تعويض تكاليف تشييدها.
ونحن نتفق كثيراً مع وجهات النظر التي تنادي بأهمية العمل على إدخال المفاعلات النووية لغرض الأبحاث في الجامعات لإعداد الكوادر الوطنية المؤهلة والقادرة على إدارة المفاعلات النووية السلمية، وهي مسألة في غاية الأهمية، إضافة إلى إرسال البعثات العلمية إلى الدول المتقدمة في هذا الجانب ومتابعة هذه البعثات والسيطرة على جوانبها بحيث تؤدي إلى خلق جيل من العلماء يمتلك القدرة على متابعة هذا الإنجاز وملاحقة كل جوانب التطوير فيه، خاصة أن عملية تجهيز وتنفيذ محطات توليد الكهرباء التي تعتمد على الطاقة النووية تحتاج ما بين 7 و17 عاماً لتكتمل جوانبها، كما أن الخطط الموازية لعمر المفاعل النووي الافتراضي التي تبلغ 40 عاماً يجب أن تكون مدروسة لمتابعة التطورات في عالم إنشاء المفاعلات النووية، وسبل التخلص من المفاعلات التي انتهى عمرها الافتراضي.
وأحب أن أشير إلى العرض الذي قدمه الرئيس الروسي بوتين أثناء لقائه الأخير مع رجال الأعمال السعوديين، وكنت ضمن هذا الوفد، بإمكانية تنفيذ هذا المشروع النووي السلمي بالتعاون الروسي.
** يجب أن تنطلق عملية إنشاء المفاعل النووي السلمي السعودي من مشروعية الحق في تأمين احتياجاتنا المستقبلية، وألا ننزلق وراء النفير الإعلامي الذي يشير إلى (سباق نووي بين العرب وإيران)، فهذا منزلق خطير ومغرض، بل أتفق مع التعاون الدولي في مجال الطاقة النووية السلمية، ومن بين هذه الدول (إيران)، وألا نغذي أفكار الكراهية مع دول الجوار مثل إيران تحت أي مزاعم!! فنحن لا يجب أن نعادي إيران، بل يجب أن تكون التعاملات السياسية معها واضحة وفي إطار المصالح المشتركة والعلاقات الدولية الشرعية المعتدلة، ويجب أن نذكر أن هناك مؤشرات قوية على الجدية التي تتخذها المملكة، ودول الخليج، ودول المنطقة العربية في استخدام الطاقة النووية السلمية، ووفق الالتزام بالمعايير الدولية للأمن والسلامة ومراعاة الجوانب البيئية، وإجراءات تنظيم الدراسات البينية، فقد أقرت دول مجلس التعاون في القمة الخليجية التي انعقدت بالرياض أن من حق دول المنطقة امتلاك الخبرة في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية، كما دعت إلى إجراء دراسة مشتركة بين الأمانة العامة لمجلس التعاون والوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ لإيجاد برنامج مشترك في مجال التقنية النووية.
وهذا ما دعا المدير العام لوكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي إلى تأكيد استعداد الوكالة لتقديم كافة المساعدات الفنية لإجراء دراسة الجدوى لهذه الخطوة، في إطار مبدأ الشفافية والاستخدامات السلمية، ووفق معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وهذه المؤشرات التي تفتح الباب على مصراعيه لاستخدام الطاقة النووية يجب أن نأخذها بجدية كبيرة، وألا تكون مجرد مناورات سياسية مؤقتة، كما يجب الاعتماد على أحدث التقنيات التكنولوجية في مجال المفاعلات النووية السلمية، وأن تشتمل المعاهدات والعقود الموقعة مع دول العالم المتقدم في هذا الجانب على أحقية تقديم الأحدث بصورة دائمة، وأن نحذر حذراً شديداً من أن تكون هذه المرحلة فرصة لتخلص بعض الدول المتقدمة من صناعاتها ذات الصلة ببيعها للدول العربية.
ويبدو أن توافر خام اليورانيوم في المنطقة العربية، وبكميات كبيرة سيسهم بشكل كبير في إمكانية توفير الاحتياجات منه على المدى الطويل.
وبنظرة أخيرة على عدد الدول العربية التي خطت خطوات تمهيدية لاستخدم الطاقة النووية سنجد ما أعلنه وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد، أن بلاده تدرس حالياً إقامة برنامج في مجال التقنية النووية للأغراض السلمية، كما أكد ناصر جودة، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، أن من حق الأردن امتلاك هذا البرنامج لزيادة موارد المملكة الأردنية، وأنهم يسعون بجدية لامتلاك مفاعل نووي للأغراض السلمية، إضافة إلى الخطوات التي اتخذتها مصر في هذا المجال.
إننا أمام خيار تاريخي لا يجب أن نهدره أو نقصر في استكمال جوانبه، حيث إنَّ هذا التقصير سيكون في حق أبنائنا وأحفادنا، وهذا ما لا تقبله جميعاً، وأن الدراسة المقدمة لمجلس الشورى السعودي من لجنة الشؤون الخارجية والمتضمنة أن (السعودية وقعت بالفعل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الاتفاقية الشاملة لتطبيق الضمانات، وكذلك البروتوكولات الخاصة، التي تعطي لنا استحقاقات الحصول على برامج الطاقة النووية السلمية، وهي أولى وأهم الخطوات التي بجب أن نتمسك بها وننميها من أجل أهدافنا في مجال التنمية ودعم اقتصادنا الوطني).
تكاليف الطاقة النووية:
تقدر كلفة إنشاء معمل للطاقة النووية بحوالي 1.5 مليار دولار لإنتاج حوالي 1000 ميجاوات من الكهرباء، أي حوالي 1.5 مليون دولار لكل ميجاوات واحد.
وتشير التقديرات إلى أن الكلفة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ترتفع إلى حوالي 4 مليارات دولار لإنتاج حوالي 1200 ميجاواط، أي أكثر من 3 ملايين دولار لكل ميجاوات واحد.
وتضاف إلى تكلفة إنشاء المعمل تكلفة التشغيل والصيانة، وتقدر دراسة لتقييم الأثر البيئي في الولايات المتحدة هذه التكلفة بحوالي 54 دولاراً للكيلووات الواحد. علماً بأن تقديرات أخرى تفيد بأن التكلفة الفعلية تصل إلى أكثر من 100 دولار للكيلوواط.
ولا تنحصر التكلفة في هذه الجوانب، بل تتعداها إلى تكلفة باهظة جداً لمعالجة النفايات المشعة، أو للتخلص من المعامل المتقادمة.
وهذا كله لا يشمل التكلفة الصحية المباشرة وغير المباشرة، والتكلفة التي يمكن أن تترتب على أي تسرب للإشعاعات، كما حصل في تشرنوبيل مثلاً.
مشكلة النفايات:
تنتج معامل الطاقة النووية بعضاً من أكثر النفايات التي طورتها البشرية بقاء وخطورة.. وليست هناك تقنية لمعالجة هذه النفايات وجعلها آمنة.
وحتى إذا لم تقع حوادث تؤدي حتماً إلى تلوث بيئي هائل ومزمن، فإن العمليات الروتينية الخاصة بالمعمل النووي تلوث الجو والأرض والبحر.
ويعتقد الكثيرون أن معامل الطاقة النووية تساهم مساهمة مهمة في تقليل التغير المناخي، إلا أن الواقع يشير إلى أن كميات كبيرة من الكربون تنبعث من عمليات تعدين اليورانيوم.
وعلى أي حال، فالمعامل النووية لديها مشاكل غير محسومة تتعلق بصرف النفايات النووية، فضلاً عن أن موارد اليورانيوم العالمية لن تدوم أكثر من 50 سنة وتصبح عاماً بعد عام أغلى وأغلى.
(*) كاتب سعودي