في كل عام جديد تتسع آفاق الرؤية، وترتفع معدلات التفاؤل بحياة أفضل، وتحيط بالقلوب والمشاعر رغبات وأمنيات، وآمال وطموحات.
في كل عام جديد تشرق شمس نهار وعمرٍ جديد، وتستقر أقدار ربَّانية كتبت منذ الأزل.
في كل عام جديد يتجدد اندفاع الإنسان في رحلة البحث عن الذات، لتركيم المكاسب، وتعظيم المنافع، وتهميش الخسائر، يمتزج مسارها بشتى المتناقضات، وحُمَّى المصالح، فتجتمع تحت سمائها متعة الحياة وشقائها، ورخاء المعيشة وكسادها، وعدالة التعامل وظلمه، وبواعث الخير وشره. في رحلة البحث عن الذات تتحقق السعادة لمن عرف طريقها، فامتطى صهوة الحق والعدل والاستقامة، وعلى النقيض من ذلك يتحقق الشقاء والتعاسة لمن سلك مسالك الظلم والباطل والإفساد.
في رحلة البحث عن الذات هاتان وقفتان مهمتان مع أنموذجين من إنسان هذا الوطن العزيز، هما نافذتا أمل نطل بهما على عام جديد، عسى الله العلي القدير أن يجعله عام خيرٍ ورخاءٍ وسعادةٍ للوطن والمواطن والمقيم على هذه الأرض المباركة.
الأنموذج الأول: التاجر:
أخي التاجر: وأنت تستشرف عامك الجديد، مستنهضاً الهمم والعزائم، والقدرات والمواهب، والأدوات والمكائن، لجني المزيد من المكاسب المادية، وتعزيز المكانة التنافسية في سوق المنتجات والخدمات!
هلا أمعنت النظر، وحدَّقت البصر بمحيط وفضاء وطنك، وتأملت عذابات المشهد الإنساني الواقع تحت وطأة الغلاء، ولهيب الأسعار، وعلى وجه الخصوص معاناة إخوتنا ذوي الدخل المحدود، أو قل إن شئت المسحوق.
فهذا سرطان الغلاء وارتفاع الأسعار قد امتدَّ ليشمل كل سلعة وخدمة، وكل بيت وأسرة، وكل مدينة وقرية، واكتوى بناره المواطن والمقيم، والمحتاج والفقير، والكبير والصغير، والطفل والرضيع.
أخي التاجر: إذا كنت تؤمن حقاً بقيم الانتماء والمواطنة، وقبل ذلك بقيم دينك وتعاليمه، فتعال إلى وقفة محاسبة مع النفس والضمير، والحق والعدل، والناتج والمنتج، فقد تتضح لك رؤية المشهد بصورة أكبر، والواقع بدرجة أعمق، فتسهم بموقف وطني خلاق في ترميم السقوف، وتحسين الظروف، وتخفيف جَهْدِ الضعفاء والمحتاجين.
إنَّ مستويات الأسعار تعكس بطبيعة الحال خللاً بيناً في المنظومة السعرية الحالية، الناشئ عن اتساع الفجوة بين سعر المنتج النهائي وسعر تكلفته أو استيراده، ومن ثمَّ فإنَّ الأرباح والمكاسب الناتجة تفتقد أساساً عناصر: العدالة والمصداقية، وهي في المحصلة النهائية تجاوز لتوجيهات هذا الدين الحنيف، وللثواب والأجر المستحق للتاجر الصدوق الأمين.
أخي التاجر: إنَّ تخفيض أسعار منتجاتك من السلع والخدمات، تصحيح نسبي للخلل الطارئ على المنظومة السعرية الحالية، وتقليل للفجوة بين مكوناتها، وقبل كل شيء قيمة إيمانية عالية، تعكس إرادة وعزيمة وقناعة بقيم التجارة المستندة إلى عنصري: الصدق والأمانة.
الأنموذج الثاني: الوزير والقيادي في المؤسسات العامة:
أخي الوزير والقيادي: وأنت تستشرف عامك الجديد، بالسعي إلى تعزيز موقعك القيادي، ورصيدك الاجتماعي والإعلامي، حري بك أن تُخْضع سجل أدائك، ومؤشر إنجازك، لميزان المحاسبة والمكاشفة، والنقد والشفافية، والمتابعة والتقويم، وذلك من أجل أن تتضح لك الرؤية أكثر، وتُصحَّح المسار إن تعثر، وتُقبل على عام جديد بعزيمة أكبر.
بين يديك خارطة طريق، لها مسارات عدة، وقضايا ملحة، وسبر أغوارها يحتاج بالتأكيد إلى منهج عمل محدد، يرتكز في المقام الأول على المصداقية في الفكر والمبادئ، والعدالة في السلوك والتعامل، والإرادة الصُلبة في التوجيه واتخاذ القرار.
من أبرز مسارات خارطة الطريق هذه:
أولاً: مسار البناء المؤسسي: ذو الصلة بعناصر العمل التنظيمي، وأحدث مستجداته، مثل: طرائق الإنتاج، وأساليب الإدارة، وأدوات التقنية.
بالمحاسبة والتقويم يمكن تعزيز مؤشرات الإنجاز ومعالجة السلبيات بما يتعلق بهدف: تطوير قدرات موظفيك، وصقل مهاراتهم الإدارية والفنية، واستخدام أحدث فنون الإنتاج والإدارة والتقنية، ومتابعة أعمال تطبيقات الحكومة الإلكترونية التي تستهدف استعمال تكنولوجيا المعلومات في إعادة تنظيم الإدارات الحكومية عن طريق مداولة وتبادل المعلومات إلكترونياً بين المؤسسات الحكومية ذاتها، ومع الأفراد، ومؤسسات الأعمال..
ثانياً: مسار العمل المؤسسي: ذو الصلة بإعداد الخطط والاستراتيجيات، وتحديد الأهداف والسياسات، وإنجاز الأولويات، وتوزيع الأعمال والمسؤوليات، وإدارة القضايا والمهمات، واختيار القدرات والكفاءات، والتنسيق بين الوحدات وعموم الإدارات.
بالمحاسبة والتقويم، يمكن تعزيز مؤشرات الإنجاز، ومعالجة السلبيات، بما يكفل إتقان المنتجات، وتحسين الخدمات، وتوظيف الموارد المتاحة على أفضل صورة ممكنة.
ثالثاً: مسار علاقات العمل: ذو الصلة بالجوانب الإنسانية، والنهوض بعناصر الإبداع والتطوير، خاصة بما يتعلق بالأخلاق العالية, والمرونة، وسعة الصدر والأفق، إضافة إلى عدالة إصدار الحوافز والترقيات، والبدلات والمكافآت.
بالمحاسبة والتقويم يمكن رصد المنجزات، ومعالجة الثغرات، لدفع العاملين قدماً نحو الإبداع، والعمل بروح الفريق الواحد.
رابعاً: مسار القضايا والمعوقات التي تواجه بيئة العمل والعاملين، وتؤثر سلبياً على كفاءة الأداء، وفعالية الإنتاج وفي المحصلة النهائية على احتياجات الناس وقضاياهم.
ويحتاج معالجة هذا المسار إلى خطة عامة، وإجراءات محددة، في فترة زمنية قياسية، لتصحيح مسارات العمل المؤسسي، وتفعيل مؤشرات الإنجاز.
أخي الوزير والقيادي: هذه مسارات العمل المؤسسي بمقوماتها الأساسية، وإنجاز بنودها، وتطويرها، والبناء عليها، مهمة أساسية، تفرضها أمانة العمل، وشرف الانتماء، وإشراق الضمير، كما تفرض كذلك على من لا يجد نفسه قادراً على النهوض بهذه المقومات، أن يُسلّم الراية، وصهوة القيادة, لغيره، فالمؤسسات العامة مهيأة لخدمة الجميع، والمحافظة عليها، بل وتنميتها، مسؤولية وطنية تتجاوز أي اعتبارات أخرى.