Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/01/2008 G Issue 12903
السبت 18 محرم 1429   العدد  12903

داء الكِبْر
مشاري بن خالد الدعجاني - شقراء

 

خلق الله سبحانه وتعالى أبا البشر آدم - عليه السلام - من التراب، وبالتالي جميع البشر خُلقوا من التراب يعيشون على سطحه أحياء وفي باطنه أمواتاً. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا التكبر والغطرسة التي يمارسها الإنسان على أخيه الإنسان ما دامت مادة الصنع واحدة والمصير في النهاية واحداً ؟!

والكِبْر أياً كانت مبرراته غير مقبول لا ديناً ولا عرفاً حيث يحثنا ديننا الإسلامي الحنيف على الابتعاد عنه، لكن لو جاء التكبر من شخص يملك المال أو الجاه أو السلطان فقد يجد البعض لصاحبه عذراً حتى لو كان عذراً غير مقبول، لكن أن يأتي من شخص لا يملك أياً من تلك المقومات فالذنب يكون هنا أعظم وأكبر وكذلك النهي وهو ما يسمى (العائل المستكبر).

ولنا في معلم الأمة محمد بن عبد الله - عليه أفضل الصلاة والسلام - والخلفاء الراشدين والتابعين القدوة الحسنة في الزهد والتواضع والبساطة، على الرغم من المكانة الرفيعة التي يحتلونها في الدنيا والآخرة، فبعضهم من المبشرين بالجنة وهل هناك شيء أعظم من الجنة؟ والأمثلة كثيرة ويعرفها معظم الناس نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: رسول كسرى الذي جاء برسالة من ملك الفرس للخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فوجده نائماً تحت ظل شجرة في أطراف المدينة المنورة دون حراسة أو خدم أو مرافقين؛ لدرجة أن ذلك الرسول لم يكد يصدق أنه يقف أمام خليفة المسلمين ذائع الصيت في الشرق والغرب فقال قولته المشهورة: (حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ).

أيضاً الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي يعتبره بعض المؤرخين خامس الخلفاء الراشدين بما حققه من عدل وإنصاف وزهد وتواضع وفتوحات إسلامية كبيرة في عهده، عندما قصد منزله ليلاً أحد الضيوف فقام بنفسه بتقديم واجب الضيافة له فأشار عليه الضيف أن يوقظ الخادم لمساعدته والقيام بهذه المهمة، فقال ما معناه: إنه نام للتو ولا أريد أن أشق عليه بإيقاظه من النوم.

هذا الكلام لخليفة المسلمين وحاكم أكبر إمبراطورية في ذلك التاريخ وليس من شخص من عامة الناس.

وفي ذلك دروس ورسالة لمن تحت يده مخدومين أياً كانت الأعمال التي يقومون بها بأن لا يشق عليهم ولا يكلفهم بأعمال فوق طاقتهم وأن يصرف أجورهم كاملة دون تأخير.

من مشاهداتي الشخصية أذكر مثالين: ضابط كبير برتبة لواء يتولى منصباً قيادياً رفيعاً في أحد القطاعات العسكرية، كنت ذات يوم مع مجموعة من الأصدقاء في منزله وجاء من مقر عمله بلباسه الرسمي وقام بنفسه بصب القهوة والشاي لنا، فطلب أحد الاخوان أن يقوم بهذه المهمة تقديراً واحتراماً لمكانته فرفض بشدة وقال: الرتبة والمنصب في المكتب وليس في المنزل.

مثال آخر: رجل أعمال ومليونير معروف وأيضاً من كبار ملاك الإبل التي تحقق مراكز متقدمة في مزاينات الإبل المختلفة وأسعارها بالملايين تجده بسيطاً ومتواضعاً في ملبسه ومجلسه وضيافته وفي جميع تصرفاته ليس تقتيراً أو بخلاً فهو من الناس الذين يبذلون بسخاء، ولكنه من باب التواضع والواقعية وشكر النعمة التي أفاء الله بها عليه ولم يزده تواضعه إلا احتراماً وتقديراً لدى الآخرين وأنا واحد منهم لأن من تواضع لله رفعه. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه من القول والعمل وأعاذنا وإياكم من الكِبْر وأهله في كل زمان ومكان.

وقفة:

الغطرسة والكبر شي مشيني

ما يرفع الرجال دايم يوطيه

بعض البشر لبليس أصبح رهيني

من حيث ما سافر بدرب يوديه

من لون وجهه والتصرف يبيني

من قبل قوله بينات خوافيه

رسالة وموجهة للفطيني

ما عم كل الناس بالعلم ناصيه


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد