لسان حال كل مسلمٍ يقول: ماذا بعد هذه الأحوال المضطربة، والأحداث الملتهبة، والدماء المنسكبة؟ ماذا بعد هذا الطوفان الإلحادي الذي يجتاح قلوب الناس وعقولهم، وهذا الطوفان الإفسادي الذي يجتاح أخلاق الناس وسلوكهم، وهذا الطوفان العسكري الذي يجتاح أوطان الناس وبلادهم؟!
لقد ذهبت فلسطين في طريقها المؤسف الذي نراه أمامنا محاطاً بعنف العدو اليهودي المتطرف وقسوته، وخططه الاستيطانية التي لا تتوقف محروساً بالقوى الكبرى التي جعلت من دولة الكيان الصهيوني ذراعاً مفتولةً لها في المنطقة، تضرب بها مَن تريد في الوقت المناسب. ذهبت فلسطين الحبيبة والأمة الإسلامية تنظر، واستمرت في أيدي الأعداء وانتهكت حرمة المسجد الأقصى، والأمة تنظر، والسؤال المؤلم يتردَّد قائلاً: ماذا بعد؟
هنالك إجابات مزيَّفة من الدول الإسلامية والعربية تقول: بعد ذلك العدوان الصمود والتصدِّي، والمواجهة والتحدِّي، ووقوف الشجعان في وجه المتعدِّي، ولكنها إجابات (فقَّاعات) لا تسمن ولا تغني من جوع.
ذهبت كشمير الجريحة، وسلكت طريق فلسطين، ودخلت نفق العنف الهندي، كما دخلت فلسطين نفق العنف اليهودي، ولقيت من الانتهاك والقتل ما أصبح صورةً واضحة أمام العالم أجمع، وحظيت الدولة المعتدية في كشمير بما حظيت به الدولة المعتدية في فلسطين من التأييد، والدعم المادي والمعنوي من القوى الكبرى المغترَّة بقوتها العسكرية والاقتصادية والإعلامية، والسؤال المؤلم يتردَّد: وماذا بعد؟
وذهبت أفغانستان سالكة - بالرغم منها - ذلك المَسْلك القاسي، ودخلت نفق العنف والتسلُّط السوفييتي، ولقيت فيه من المآسي ما تعجز عن وصفه الكلمات، وظلَّت القوى الكبرى صامتةً إلاَّ من فقَّاعات من عبارات وقرارات الشجب والاستنكار التي تذرُّ الرَّماد في العيون، وظلّ السؤال مطروحاً: وماذا بعد؟
لقد ساق العدوُّ الصِّربي المسلمين في البوسنة والهرسك في الطريق نفسه وأدخلهم إلى نفق العنف والاعتداء والانتهاك، وإلى سراديب القتل الجماعي، والتطهير العرقي، فعل ذلك أمام أعين القوى الكبرى التي تتظاهر بأنها لا ترى ما يجري وما جرى، مع أنها بكل ما حدث أدرى، وظلَّ السؤال ملتهباً وماذا بعد؟
سحق العدو الشيشان، وانسحقت كوسوفا، وسرت دماء طاجكستان وتجدَّد بصورة عنيفة جرح أفغانستان، وباشرت القوى الكبرى عمل الاعتداء والإرهاب مباشرة في أعنف اعتداء عرفته البشرية في العصور المتأخرة، ومع ذلك فقد ظل السؤال سهماً يصيب مواقعه من القلوب: وماذا بعد؟
انضمت العراق إلى ركب الألم والجرح والاعتداء، واشتعلت مياه دجلة والفرات ناراً لا تزال مشتعلة إلى الآن، وكان الاعتداء على العراق عملاً مباشراً من القوى الكبرى، وانتشرت نيران (الفوضى الخلاَّقة)، وما زال السؤال الجريح معلَّقاً على واجهة الأحداث: وماذا بعد؟
***
إشارة: وماذا بعد؟ سؤال موجَّه إلى جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فهل من جواب؟!