ماذا لو نشبت حرب نووية إقليمية؟ أو حلَّ بنا (لا سمح الله) وباء فتاك؟ وماذا لو انهار النظام المالي الوطني من جراء أزمة مالية عارمة أو من جراء انتشار (وباء مالي محلي)؟ ماذا لو هاجت الطبيعة على وطننا بكارثة ليست في الحسبان؟!
قد نتفق عزيزي القارئ على أن هذه تهيؤات سوداوية، وقد نختلف في احتمالات حدوثها، فالمتفائل يجد احتمالاً ضعيفاً في حدوث بعض هذه الكوارث، بينما قد يضع المتشائم احتمالات أكبر لوقوعها مستشهداً بالتاريخ الإنساني الحديث والقديم. غير أن المحصلة في كلتا الحالتين تقضي باحتمال حدوثها بدرجة أو بأخرى! ويبقى المجتمع بالخيار بين افتراض الأسوأ والاستعداد لهذه الأزمات، وبين الإفراط في التفاؤل والتراخي في درء حدوثها.
إجمالاً، تسعى المجتمعات المنظمة إلى الاستعداد لأسوأ السيناريوهات من خلال بناء (شبكات الأمان) التي تتكون من منظومة من الخطط الاحترازية التفصيلية لمواجهة الكوارث الاقتصادية والصحية والاجتماعية وصنوف الأزمات والكوارث الأخرى بما يضمن حداً (مقبولاً) من الأمان لكافة فئات المجتمع، ويضمن سير الحياة اليومية وفق التقليد المعتاد. ويحتوي الإطار العام لتنفيذ هذه الخطط على توزيع للأدوار بين الجهات المختلفة بما يضمن كفاءة التنفيذ.
وفي المملكة نشأ مفهوم التخطيط الاستراتيجي بنشوء التصور الحديث للاقتصاد الوطني، غير أن الجهود في هذا المجال بدأت تتشتت بعد اتساع رقعة التنمية الحضرية والاقتصادية ومع تعقد النشاطات الاقتصادية والتداخلات السياسية الإقليمية والدولية في ظل تزايد وتيرة الانفتاح السياسي والاقتصادي. فعلى سبيل المثال، كانت وما زالت وزارة الاقتصاد والتخطيط (وزارة التخطيط سابقاً) تتحمل جزءاً من مهام التخطيط (ولو أنه غير واضح المعالم ولا يتعدى دور الرصد وليس التخطيط)، كما تقوم جهات أخرى بمهام تخطيطية ضمن إطار عملها وفق مفهوم لا مركزي.
واليوم لم يعد بمقدور الدول إغلاق حدودها أمام الأوبئة أو الأزمات المالية أو الحروب والأزمات السياسية في ظل أفول الحدود الجغرافية والانفتاح الشامل والمتنامي للدول على بعضها البعض. وهذا يجعل المملكة في أمسّ الحاجة الآن لإعادة النظر في مفهوم التخطيط الاستراتيجي الوطني من خلال إرساء مفهوم جديد يقوم على إرساء منظومة مؤسسية جديدة للتخطيط الاستراتيجي ترتكز إلى توحيد الجهود القائمة الآن وتوزيع الأدوار التنفيذية.