Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/01/2008 G Issue 12903
السبت 18 محرم 1429   العدد  12903
أضواء
نقل الفوضى الخلاقة إلى مصر!!
جاسر عبدالعزيز الجاسر

ما قامت به الجماهير الفلسطينية من أهالي غزة من اختراق الحدود الفلسطينية المصرية والتوجه إلى الأراضي المصرية لجلب الغذاء والدواء مُبَرَرٌ جداً، بعد أن أدى الحصار الظالم الذي فرضته سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى حرمان قطاع غزة من الغذاء والدواء والمحروقات وكل ما يحتاجه الإنسان للبقاء على هذه الحياة.

لهذا ولأن الجوع لا يرحم، وأن المريض وأهله لا ينتظرون من مجلسِ أمنٍ دولي ولا جهودٍ دوليةٍ أو أقليميةٍ أن تجلب له الدواء، فقد تحركت الجماهير، وجلبت الطعام للجياع والدواء للمرضى!!

إذن فإن ما فعلته الجماهير الفلسطينية فضلاً عن أنه متوقع، فإنه منطقي ومبرر، ولهذا فإن السلطات المصرية السياسية والأمنية قد تعاملت مع الحدث تعاملاً راقياً جداً ومُتفهماً، ويُسجل للدولة المصرية رئيساً وحكومةً وشعباً وأجهزةَ أمنٍ، فالرئيسُ أعطى تعليماته بعدم التعرض للحشود الفلسطينية التي اجتازت الحدود، وأجهزة الأمن تعاملت بمسؤولية وحرص على الدم العربي فرغم عبور ربع مليون إنسان، إلا أنه لم يحدث أية حادثة أمنية، وقد بذلت الأجهزة الأمنية جهوداً كبيرةً لتنظيم وجود كل هذه الآلاف من الناس في مدن صغيرة نوعاً ما، كالعريش ورفح المصرية وأبو زويد. أما الذي يجب الإشادة به فهو موقف الشعب المصري الذي لم يتذمر بل جُهِّزَتِ البضائعُ وتركَ المصريونَ الأغذيةَ والأدويةَ للفلسطينيينَ ليحملوها إلى غزة؛ صحيحٌ أن الفلسطينيينَ دفعواً ثمناً لما حصلوا عليه، ولكن المصريين لم يرفعوا الأسعار كما يفعل التجار في أماكن أخرى ولم يتذمر أهل العريش وأبو زويد ورفح المصرية بعد أن خلت محلاتهم من البضائع، ولا مِن الزحام إذْ اعتبروا ذلك واجباً قومياً لا بد من تقديمه لإخوتهم الفلسطينيين.

كُلُّ هذا مفهومٌ ومقنعٌ في سياقه الإنساني والقومي، إلا أن الذي لا يفهمه الإنسان العادي هو الاستغلال الفج لدكاكين السياسة التي تستثمر الانتماءات الدينية وتوظف المآسي الإنسانية لخدمة أجندتها السياسية التي باتت تتلاقى كثيراً من أجندات أعداء العرب والمسلمين.

تحطيم جدار الحدود العازل بين الأراضي المصرية والفلسطينية وعبور الجماهير الفلسطينية إلى الأراضي المصرية حالة استثنائية فرضتها الأوضاع المأسوية التي يعيشها أهالي غزة، ولهذا فإنه من العبث بل من الإجرام أن نجعلها مسعىً وهدفاً لقوى دعاة وصناع ما يُسمَّى ب(الفوضى الخلاقة)، فليس من مصلحة الأمن القومي العربي أن نصدر هذه الفوضى إلى مصر، بعد أن نجحت القوى المعادية إلى جعل هذه الفوضى المسيطرة على الأوضاع في العراق ولبنان وغزة.

فوضى خطط لها أعداء العرب والمسلمين ونفذها بوعي أو بغير وعي أحزاب ومنظمات وفصائل عراقية ولبنانية وفلسطينية من السهل جداً على المواطن العربي في تلك الدول وخارجها، معرفة تلك الأحزاب والفصائل والمنظمات، فأعمالها التي تؤجج الفوضى وتعمل على إذكائها لا يمكن إخفاؤها، ولهذا فإنَّ تَحَرُّكَ الإخوان المسلمين في مصر في محاولة للاستفادة من حالة اجتياز الحدود الفلسطينية المصرية، يجعل هذه الحركة تحاول استغلالاً انتهازياً لمآساة أهل غزة لخدمة أغراضها السياسية وهو عمل غير حكيم وغير مسؤول لنقل الفوضى غير الخلاقة إلى مصر..!!



jaser@al-jazirah.com.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 11 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد