مجلس الوزراء هو بارومتر الرأي الوطني في المملكة.. وجلسة مجلس الوزراء - يوم الاثنين- هي الحدث الأسبوعي الأهم في جهاز الدولة، ويتابع نتاجئها نسبة كبيرة من المهتمين بالشأن العام..
.....من المواطنين، ومن قبل وسائل الإعلام.. حيث ينتظر الناس والمراقبون هذا الحدث بما يسفر عن إعلان رؤية المملكة تجاه الأحداث الدولية، أو ما قد يصدر عن المجلس من قرارات وطنية تهم المواطنين جميعا، أو تهم شرائح معينة منهم.
ومجلس الوزراء لا يزال الإعلان عن قراراته تتسم بالتقليدية المعهودة من عقود من الزمن، ولم يطرأ عليها أي تغيير. وهو عبارة عن خبر صحافي تصوغه وكالة الأنباء السعودية بناء على تصريح من وزير الإعلام يشير فيه إلى ما تم تداوله من موضوعات وما تم تبنيه من قرارات.. ويضيف التلفزيون صورا عن واقع هذه الجلسة، وأحيانا تعاد بعض اللقطات التلفزيونية، وتبدو في شكل غير مهني من الناحية الإعلامية، حيث أحياناً أن يد أحد الأعضاء تمتد إلى اليمين لتناول فنجان قهوة (وتتكرر اللقطة، فتبدو أحيانا لافتة من تكرار)، أو أن شخصاً يلتفت إلى زميل له على شماله ويتبادل معه الحديث فيضحك (وتتكرر لقطة الضحك أو الابتسامة فلا تبدو مناسبتها).. إلى آخره من اللقطات غير المناسبة.
وفي المساء تتناول وسائل الإعلام العربية أحياناً بعضا من هذه التغطيات، إذا كانت ذا شأن إقليمي أو دولي، وفي اليوم التالي تظهر تغطيات وقائع الجلسة في الصفحات الأولى -عادة- وفي الصفحات الداخلية في بعض الصحف في أحيان معينة.
وما أقترحه هنا هو إعادة النظر في بناء الخبر الإعلامي عن قرارات وتوصيات مجلس الوزراء.. حيث نحن بحاجة إلى تطوير آليات جديدة لاستثمار هذا الحدث إعلامياً بما يتناسب مع قوة قرارات المجلس، وتأثيره على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي. وهناك رؤى كثيرة يمكن طرحها في هذا الخصوص، ومنها على سبيل المثال.
1- هل يمكن أن يصبح هناك متحدث رسمي باسم مجلس الوزراء السعودي، سواء من داخل المجلس أو من خارجه يقوم بعقد مؤتمر صحافي- إعلامي كل يوم إثنين بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء لتناول أهم القضايا والموضوعات التي اندرجت في جدول أعمال تلك الجلسة. ومن المعروف أن كثيرا من الدول تقوم بعمل مثل هذا.. وأهمية وجود متحدث رسمي يمكن أن تساعد على بناء حدث سعودي مرئي يصل إلى كافة وسائل الإعلام الدولية.. ونحن - المتخصصين في الإعلام- ندرك تماما أن خبرا مقروءا بلا خلفية مرئية أقل جاذبية وتأثيرا من خبر من خلال شخصية تتحدث عن الموضوع.
2. يمكن أن يشتمل المؤتمر الصحافي- الإعلامي على توسع في بعض موضوعات المجلس حيث يمكن أن يشارك المتحدث الرسمي شخصية من المجلس تشرح وتفسر بعض قرارات المجلس، فمثلا عندما يصدر عن المجلس قرار عن لائحة أو تنظيم معين يمكن أن يشارك الوزير المختص في الحديث عن خلفية الموضوع، ويجيب عن أسئلة الصحافيين المتعلقة بالموضوع.. وهكذا.. فيصبح الحدث الأسبوعي لمجلس الوزراء حدثاً متكاملاً من جميع جوانبه.. كما يمكن أن يتم توزيع بعض المعلومات التي تشكل خلفية مهمة عن موضوعات المجلس تساعد وسائل الإعلام على الكتابة عن هذه الموضوعات.. فمثلاً إذا دعمت المملكة مزارعي القمح بمبلغ معين يمكن أن يوفر للإعلامين كامل الدعم الذي قدم لهم خلال السنوات الماضية.. إلخ.
3. يحضر المؤتمر الصحافي- الإعلامي عدد من الإعلاميين السعوديين والعرب، والسماح لمندوبي وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الدولية.. كما يمكن أن تتاح فرصة النقل المباشر لوقائع هذا الحدث الإعلامي الأسبوعي.. أسوة بباقي المؤتمرات الإعلامية لمجالس وأجهزة تنفيذية مماثلة عربيا ودوليا.. والنقل المباشر هو طريقة من طرق الحضور السعودي على شاشات التلفزة العربية والدولية.. وكل دقيقة نظل فيها على الهواء نكون -غالبا- قد استحوذنا على اهتمامات الرأي العام العربي والدولي.
4. يمكن في مناسبات معينة أن يتفضل خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس الوزراء بإلقاء كلمة عن أحد الموضوعات الهامة بعد الجلسة، حيث ستصل هذه الرسالة بشكل أقوى إلى كل وسائل الإعلام الدولية، أفضل من إعلان مكتوب موزع على وسائل الإعلام، كما هو معتاد حالياً..
وعموما نحن بحاجة إلى تطوير آليات العمل الإعلامي الوطني بحيث ترتقي إلى مستويات نوعية من الأداء المهني المتميز.. يجب أن ننظر إلى الإعلام ليس على أنه أداء روتيني يمر ببيروقراطية حكومية ذات اتجاه رأسي تبدأ من شخص بوظيفة عليا، وتنتهي بنشر أو بث إلى وسائل الإعلام.. ويجدها المتلقي معلومة عابرة منثورة في وسائل الإعلام لا تلبي له حاجة، ولا تحرك يه ساكنا.. المطلوب هو أن ننظر إلى الإعلام كصناعة احترافية، تحتاج إلى قوة في الأداء المهني، وقدرة في توظيف الواقع لخدمة المصالح الوطنية.. المتحدث الرسمي -سواء في مجلس الوزراء أو في مواقع أخرى في الدولة- هو شكل من أشكال نفض الواقع الإعلامي الرتيب، وتحويله إلى قوة جديدة تضاف إلى قوة السياسة، وقوة الاقتصاد، وقوة المجتمع.
رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال،
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.saf