المدرسة هي مؤسسة رسمية أنشأها المجتمع؛ للقيام بعدد من الوظائف التربوية والاجتماعية داخل المدرسة وخارجها. وصنفتها الكتابات التربوية في الترتيب الثاني بعد الأسرة من حيث الأهمية في سلم مؤسسات التربية في المجتمع.
وعلى هذا فالمدرسة المكان الآمن الذي يقضي فيه الطالب ساعات اليوم الدراسي مع معلميه، يأخذ منهم العلم النافع، ويتأثر بطرق تفكيرهم وأسلوب تعاملهم مع الآخرين، وفي المقابل يستفيد المعلمون من طلابهم التغذية الراجعة في استعدادهم العلمي وطرق تدريسهم ووسائل الإيضاح التي يستخدمونها وأساليب تقويمهم ونوع ومستوى علاقاتهم معهم، كما يستفيد الطلاب من بعضهم البعض في المواقف التي تحدث بينهم في أثناء اليوم الدراسي؛ إذن هناك شبكة من التفاعلات بين الطلاب ومعلميهم من جهة، وبين الطلاب أنفسهم من جهة أخرى.
ومما يلفت الانتباه في الآونة الأخيرة حدوث مصادمات بين الطلاب ومعلميهم، وقد تترتب عليها مفاسد وخسائر كبيرة. إنه من المسلم به أن تحدث خلافات في وجهات نظر معينة بسبب جهل ما أو اختلاف في قناعات لخلفيات اجتماعية محددة شأنهم في ذلك شأن أي تجمع إنساني، لكن تصل هذه المصادمات إلى حد إلحاق الأذى بالنواحي الجسدية أو المادية أو العائلية. ومما يؤسف له أن يصل الأمر إلى حد أقسام الشرطة، ويتم إيقاف المعلم أو الطالب.
ما الذي حدث؟ ألم ينظر إلى المعلم على أنه بمنزلة الأب أو الأخ الأكبر للطلاب يحظى بوافر الهيبة والتقدير، سواء عند الطلاب أو الأسر أو المجتمع؟ ألا يشير ذلك إلى وجود خلل في التشريعات التربوية التي تنظم آفاق العلاقات التبادلية بين الطلاب ومعلميهم - إن وجدت -، وأساليب التنشئة الاجتماعية التي تربى عليها هؤلاء الطلاب.
لقد برزت مظاهر عدة للعنف؛ مرة مصدرها المعلم، ومرة مصدرها الطالب في مختلف مراحل التعليم العام، وتناولتها وسائل الإعلام، لدرجة أن هذه المظاهر أصبحت فرصة لاختلاق النكات عنها. هذا بلا شك ساهم بشكل مباشر في إلحاق الإساءة بمكانة المدرسة والمعلم.
من المتفق عليه أن المعلم هو صاحب رسالة مهمة في المجتمع، ووظيفته هي أشرف وظائف المجتمع؛ لأنه الذي يسخر هذه الوظيفة لصناعة الأجيال التي تحمل على عاتقها أهلية تحمل المسؤولية نحو نفسها ومجتمعها؛ وبالتالي تجعله في أوج ازدهاره في مختلف مجالات الحياة. والطالب هو الابن الغالي في بيته، والعنصر الثاني في العملية التعليمية، والقادر على تقويم أداء معلميه بكل جدارة.
أقول إن الأمر يحتاج إلى المسارعة في وضع حد لهذه المصادمات، وقد يكون من الحلول تشكيل لجنة متخصصة من قبل مقام وزارة التربية والتعليم يشارك في عضويتها نخبة من الأكاديميين والممارسين؛ لأنه لا يشك أحد في أن للمعلم والطالب من المحبة والتقدير ما يجعل الجهات المسؤولة تتخذ خطوة حاسمة في هذا الشأن. ومن مهامها وضع التشريعات المعنية بتحديد صلاحيات المعلم في مواجهة المشكلات مع الطلاب بما يحفظ للمعلم مكانته وقيمته في مدرسته والمجتمع، والمعنية أيضاً بضبط علاقات المعلمين بطلابهم، ووضع الحلول العلاجية الرادعة لتجاوزات بعض الطلاب على معلميهم.
التعليم العام هو بمثابة القاعدة في الهرم التعليمي، ومخرجاته ستؤثر في جودة فعاليات التعليم العالي إيجاباً وسلباً؛ فإذا كانت حال عدد من الطلاب، وهم عنصر في مخرجات التعليم العام، من التي لا تقدر العلم ولا المعلمين فإن حالهم سيزداد سوءاً؛ وبالتالي يكونون غير أكفاء بعد تخرجهم، سواءً في حياتهم الخاصة أو العامة. وهذا لا نريده لأبنائنا.
كلية المعلمين - جامعة الملك سعود
drmusaedmainooh@hotmail.com