وسط صمت دولي رهيب سقط في غزة أكثر من خمسين شهيدا، وأضعاف أضعافهم من الجرحى نتيجة لتصاعد العدوان الإسرائيلي الذي شدد الحصار الخانق، وأغلق المعابر كافة على نحو أحال حياة سكان قطاع غزة إلى جحيم لا يطاق.
حيث باتت غزة المكلومة بلا وقود وبلا كهرباء وبلا دواء وبلا ماء وبلا غذاء، باتت غزة فاقدة لأهم الموارد اللازمة التي تغطي متباين الحاجات البشرية الضرورية، ثمة أطفال وعجائز وشيوخ ومدنيون أبرياء منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر لحظات الموت القاتلة؛ إغراق غزة بالظلام، وتعطيل مخابزها، ومستشفياتها، وترويع نسائها، وتجويع أبنائها، وتشريد قاطنيها، ليس إلا مشروع قتل جماعي يندد به القانون، ويشجبه العرف، وتُجرمه الشريعة؛ إن العالم بأسره مسئول أمام الله، ومسئول أمام التاريخ عن هذه الكارثة المأساوية، وعن هذا التصعيد الوحشي على شعب ليس فقط أعزل ومحاصرا، بل ومهدد بغذائه، ومعاقب بدوائه، ومصادر في استقراره، ومهدد بحياته، حتى ولو كانت حياة شبيهة بالموت، بل حتى ولو كانت حياة الموتُ ومغادرة الحياة أفضل منها بكثير!!هيئة الأمم المتحدة ظلت صامتة، ولم تحرك ساكنا إزاء ما يجري!، لم تقم بمباشرات فورية تحجم من إطار الإشكالية، وتحد من استفحالها، وإنما اكتفت فقط بالتعبير على لسان أمينها بان كيمون عن قلقها ومطالبة إسرائيل شفهيا بتلبية الاحتياجات الأساسية. ومن ناحية أخرى اعتبرت الإدارة الأمريكية ما يجري ممارسة مشروعة يبررها حق الدفاع المشروع عن النفس في وجه الصواريخ المنبعثة من غزة إلى إسرائيل! مع أن هذه الصواريخ لا تطلق إلا كردة فعل على السلوك الإسرائيلي الموغل في العدوانية؛ إن إطلاق الصواريخ من غزة ليس إلا أحد التداعيات التي يفرضها الاستيطان والحصار والجدار.إطلاق الصواريخ ثمرة حتمية ناجمة عن قفز إسرائيل على مضامين القرارات الدولية، ومصادرتها لمواد القانون الدولي.
إسرائيل تفرض الحصار بحجة معاقبة مطلقي الصواريخ من غزة، وهي حجة ليس لها ما يدعمها من المبررات الشرعية، فهذا الهجوم العنيف لا يطال الفاعلين الحقيقيين، بل إن مجمل ضحاياه من الأطفال والنساء والمرضى الذين ليس لهم لا ناقة ولا جمل فيما حدث ويحدث، ثم أيضا فإن هذه الصواريخ ليست إلا عبارة عن صواريخ بدائية في تقنيتها، ومحدودة في تأثيرها، وانتشارها محصور في نطاق ضيق محدود مداه، إذاً هي ليست ذات تأثير يذكر، وإنما تستغلها إسرائيل كمسوغ يوفر لها غطاء شرعيا تصل عبره إلى تجسيد مآربها العدوانية؛ هذا العدوان الإسرائيلي في حقيقته يرمي إلى إهانة الشعب الفلسطيني وكسر إرادته وإنهاك مقاومته وتشكيل وعيه على نحو يقبل جراءه كل ما تدشنه إسرائيل من خطوات ومشاريع لحل القضية الفلسطينية، هذا الدافع هو السياسة الإستراتيجية، وهو القاسم المشترك بين الحكومات الإسرائيلية كافة ، هذا بالإضافة إلى أن حكومة أولمرت تتوخى عبر هذا التصعيد المتهور إثبات جدارتها أمام الأحزاب الإسرائيلية الأكثر انغلاقا وتطرفا، وتحاول أيضا أن تثبت بأنها مؤهلة لتجسيد الانتصار عبر موج دموي وعبر الأشلاء الممزقة لأبناء غزة البواسل. أولمرت يسعى لاهثا للبقاء في الحكم عبر استباق صدور تقرير(فينوغراد) النهائي الذي سيصدر في الأيام القريبة القادمة.
هذا التقرير الذي تشير بوادره إلى أنه سيحمل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية التقصير في الحرب اللبنانية الأخيرة، هذا التقرير، يبدو أنه ينطوي على بذور سقوط حكومة أولمرت الذي يحاول الآن إثبات قوته وجدارته من خلال هذا العدوان المتوحش.
إن مليون ونصف المليون من سكان غزة تتدهور أحوالهم المعيشية على نحو لا إنساني قامت على إثره مظاهرات شعبية واسعة، وعواصم عربية عديدة تحركت محتجة ومطالبة برفع الحصار وتحسين أوضاع أهلنا في غزة، وهذه خطوات جيدة لكنها جزئية وغير كافية، ولابد من تعزيزها واستكمال التحرك وعلى نحو أوسع حتى يجري رفع الحصار بالكلية، إن التنديد والشجب والاستنكار والمناشدة ليست آلية ناجعة مع حكومة لا تتعامل إلا بالصاروخ والقنبلة، وبالحديد والنار، وإنما تعليق المفاوضات لحين إنهاء الحصار الخانق على غزة، ووقف العدوان والاستيطان والجدار هو الأولوية التي يتحتم تموضعها في سياق الرد الفلسطيني المنطوي على درجة عليا من الفاعلية الضامنة لوقف نزيف الدم الغزّي المراق.
Abdalla_2015@hotmail.com