قال الله تعالى في سورة المائدة: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.. الآية (33). |
وجاء في تفسير هذه الآية (إنما جزاء الذين يحاربون الله ويبارزونه بالعداوة، ويعتدون على أحكامه، وعلى أحكام رسوله، ويفسدون في الأرض بقتل النفس وسلب الأموال، أن يُقتلوا أو يُصلبوا مع القتل) والصلب: أن يُشد الجاني على خشبة أو تُقطع يد المحارب اليمنى ورجله اليسرى، فإن لم يتب تقطع يده اليسرى ورجله اليمني، أو يُنفوا إلى بلد غير بلدهم، ويُحبسوا في سجن ذلك البلد، حتى تظهر توبتهم. وهذا الجزاء الذي أعده الله للمحاربين هو ذل في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب شديد إن لم يتوبوا). |
من الآية الكريمة السابق تفسيرها يتبين أن النفي أحد أنواع الجزاء والإذلال الذي يعاقب به أؤلئك الذين يحاربون الله ويبارزونه بالعداوة، والاعتداء على أحكامه، بالقتل والسلب والبغي، والتعدي والعدوان والظلم، بما يفضي إلى الإفساد في الأرض، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها. ولقد سنَّ الله هذا الجزاء العادل لهؤلاء المحاربين المفسدين لعلهم يرتدعون عن معاداتهم واعتدائهم. ولكن ماذا لو طُبق هذا الجزاء على من وقعت عليهم المحاربة والبغي والقتل والسلب؟ لا شك أن هذا أمر مستنكر، لا يمكن أن يطالب به أو يقبله أو يقره عاقل، لأن هذا يتعارض مع أبسط المسلمات والمفاهيم الإنسانية السوية. |
ولكن هذا ما يطالب به من يدعي أنه حامي حمى الديموقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، إنه رئيس أمريكا الذي أصيب بداء الحول العقلي، فتجرد من كل معاني الحق والعدل، فإذا به لم يعد يرى البصائر كما يدركها العقلاء وذوو البصيرة على الرغم من وضوحها، إنه يقلب البصائر ويشوهها، إنه يقلب الحق إلى باطل، ويطالب بكل صفاقة وتكبر ومنطق أعوج أن يفتح صندوقاً لجمع التبرعات للفلسطينيين الذين أبعدوا من ديارهم بغير ذنب اقترفوه بعد العدوان الصهيوني على فلسطين واحتلالها. الفلسطينيون أصحاب الأرض يُنفون من فلسطين، بلدهم الأم، في حين تُفتح أبواب فلسطين مشرعة لشذاذ اليهود من كل بقاع الدنيا، فأين المنطق وأين العدل؟ وأين حقوق الإنسان التي طالما تشدقوا بها؟. |
إن المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية مرحلة خطيرة، والإخوة الفلسطينيون محبطون متألمون من الوضع الحالي ويتطلعون إلى مواقف تاريخية شجاعة تتصدى لسيوف البغي والظلم التي يطعن الصهاينة بها ويحتمون، لأنهم لم يروا في الأفق يداً تدفع الجور عنهم، في حين أن المسيء الظالم يتبجح مزهواً بجوره وظلمه. وما رفض أمريكا إدانة إسرائيل على عدوانها في غزة إلا فيض من غيض ظلمها وإساءاتها المتواترة للعرب والمسلمين، يقول محمد الزين: |
إذا المرء لم يدفع الجور إن سطت |
عليه فلا يأسف إذا ضاع مجده |
وأقتل داء رؤية المرء ظالماً |
يسيء ويتلى في الحافل حمده |
إن الفلسطينيين المهرجين المنفيين من ديارهم لن يقبلوا بكنوز الدنيا كلها مقابل عودتهم إلى ديارهم وأهلهم، ولن يعوضهم المال مهما بلغ حجمه عن الشوق العارم والحنين الدائم إلى الأهل والأرض، فأحضان الأهل الدافئة، وثرى الأرض الطاهرة، لا يمكن أن يقوم مقامهما أحد مهما غلا ثمنه، وطاب مقامه. |
إن دفع أيادي الجور وسطوتها مطلب شرعي وقانوني وإنساني. فعلى كل قادر أن يقول (لا) صريحة مدوية في وجه كل جائر مهما بلغت سطوته، فهذه ال(لا) هي الأقوى والأقدر على حفظ الحقوق، والمحافظة على المجد من الضياع. |
|