د. حسن الشقطي
مر سوق الأسهم هذا الأسبوع بأزمة طاحنة أفقدته نحو 20.5% خلال ثلاثة أيام فقط، وجاءت هذه الأزمة نتيجة للمخاوف التي شهدتها كافة أسواق المال العالمية تقريبا من وقوع الاقتصاد الأمريكي في فخ الركود، ومن ثم الخوف من أن تصيب الاقتصاد العالمي حالة كساد عام.. ورغم تعافي العديد من الأسواق العالمية والإقليمية من هذه الأزمة في ظل قرار بنك الاحتياط الفيدرالي بتخفيض سعر الفائدة، إلا أن تداولات أمس الأول في السوق السعودي لم تدلل كثيرا على حدوث هذا التعافي، بل دخل السوق في تذبذب شديد تراوح ما بين الخسارة وربحية 8% تقريبا، حتى أغلق السوق على صعود بنسبة طفيفة لا تذكر بجانب خسائره الكبيرة.. ورغم عمومية الأزمة وأنها مستوردة من الخارج، إلا إنها كشفت عن بعض مواطن الخلل في السوق السعودي، ربما يمكن وصف بعضها بهشاشة بعض الأساسات الرئيسية.. بدليل أن حجم خسائر السوق فاق في قوته وسرعته خسائر حتى الأسواق الأمريكية التي هي موطن الأزمة.. أما أبرز ما أثار الجدل خلال هذه الأزمة هو أن خسائر الأسهم الاستثمارية في السوق بدت أكبر وأسرع من خسائر الأسهم الأخرى غير الاستثمارية.. وهنا يتولد تساؤل: هل يعقل أن يخسر كل من سابك والراجحي 24% خلال بضعة أيام في حين لم تزد خسائر الباحة عن 8% وأكثر من هذا؟، كيف يمكن تفسير الخسائر الكبيرة التي لحقت بالأسهم الاستثمارية الجديدة في السوق؟ وأليس من المفترض أن تكون هذه الأسهم هي حصانة السوق وحمايته ضد أي أزمة محلية أو مستوردة تحت افتراض أن أسعارها منطقية ولم تتضخم بعد؟ لماذا تهاوت هذه الأسهم بهذا الشكل القوي والسريع؟ بل لماذا فاقت خسائر السوق السعودي خسائر كافة الأسواق الأخرى؟
بداية الأزمة..
تعثر سداد مديونيات السكن
خلال الفترة الأخيرة أدت أزمة سداد مديونيات السكن في الولايات المتحدة إلى خسائر كبيرة للقطاع العقاري الأمريكي وصلت إلى نحو تريليون دولار، الأمر الذي أدى إلى حالة ركود محلي بدأ يسود شيئا فشيئا حتى تفاقم الأمر وبدأ يتحور إلى حالة كساد.. إلا إن هذا الكساد لا يبدو أنه سيظل قاصرا على الاقتصاد الأمريكي فقط، ولكنه بدأ يمتد ليسيطر على اقتصاديات دول العالم الأخرى.
ولعل جولة بوش قد أشعلت هذه الأزمة التي ظلت كامنة إلى أن أعلن وصرح بها رسميا بتوقع تحور الركود إلى كساد عالمي.
وقد سلكت الإدارة الأمريكية طريقين:
الأول: الإعلان عن خطة تحفيزية: عقب انتهاء الرئيس الأمريكي من جولته الخليجية حيث أعلن عنها في نهاية الأسبوع الماضي تتضمن تخفيضات ضريبية بنحو 150 مليار دولار تحسبا لعدم الدخول في الركود.. إلا إن الأسواق المالية العالمية تفاعلت مع هذه الخطة بشكل سلبي للغاية حيث بدأت تتهاوى واحدة تلو الأخرى منذ يوم الثلاثاء قبل الماضي.
الثاني: تخفيض سعر الفائدة: فشل الخطة التحفيزية أدى إلى إعلان البنك المركزي الأمريكي تخفيض سعر الفائدة بواقع 0.75 نقطة مئوية أي ليصبح 3.5% أملا في دعم الثقة في أسواق المال الأمريكية، ومن ثم الحد من حدوث انهيار عالمي جراء هذه الفوضى التي سادت أسواق المال العالمية.
وبالفعل أحرز هذا التخفيض تأثيرا ملحوظا في حدوث بعض التعافي وتوقف حالة الهبوط لمعظم أسواق المال في الدول المتقدمة تقريبا.. بل ارتدت الكثير منها وحققت أرباحا عالية.
المخاوف تكشف هشاشة أساسات العديد من أسواق المال العالمية: بدأت أزمة أسواق المال في 14 من الشهر الجاري عندما بدأت تتلمس سوقا وراء الأخرى المخاوف الناجمة عن ركود الاقتصاد الأمريكي، حيث بدأ داو جونز وناسداك في الهبوط أولا، ثم بدأت الأسواق الأوربية والآسيوية تقتفي آثارهما.
ورغم أن الأسواق الأمريكية تمثل موطن الأزمة، إلا إنها بدت أكثر تماسكا من غيرها، ورغم أن خسائر داو جونز في عز الأزمة لم تتجاوز 6.3%، إلا إن خسائر هانج سانج وصلت 17.8%. بالتحديد كشفت الأزمة عن تماسك الأسواق الأمريكية والأوربية إلى حد ما، في حين أظهرت هشاشة كثير من الأسهم الآسيوية.
فضلا عن ذلك، فقد أظهرت الأزمة مدى المشكلات التي تعاني منها بعض أسواق المال الخليجية التي بدأ بعضها يهبط بنسب مرتفعة للغاية على مدى ثلاثة الأيام الأخيرة قبل الأربعاء.
السوق السعودي الأعلى
هبوطا بلا مبرر تقريبا
من الأمور المستغربة هي أن معدل الهبوط في السوق السعودي قد يكون هو الأعلى عالميا، رغم أن السوق السعودي أكثر أمانا من كثير من الأسواق المجاورة من حيث حجم التأثر بالمتغيرات العالمية.. ليس لشيء سوى لأنه لا يتضمن استثمارات أجنبية رسمية حتى الآن، فالأموال المتداولة في السوق رسميا هي أموال سعودية وخليجية ومقيمين فقط.. فلماذا المبالغة في المخاوف التي شهدها السوق، إن استجابة السوق السعودي للأزمة العالمية جاءت مبالغ فيها بشكل ملفت للنظر.. فهل يعقل أن يهبط السوق السعودي بنسب تفوق السوق الإماراتي والمصري، وهي أسواق تسمح بالاستثمارات الأجنبية..
ارتداد ضعيف للسوق
السعودي يوم الاربعاء
رغم أن معظم أسواق المال العالمية شهدت جزئيا بعض الارتدادات يوم الثلاثاء والاربعاء بعد تعافيها في ضوء قرار تخفيض الفائدة الأمريكي، ورغم أن بعضا من الأسواق الخليجية استجابت بقوة لهذا القرار، كسوق دبي الذي ربح 10.5% تقريبا وسوق أبو ظبي الذي ربح 6.3%، وسوق قطر الذي ربح نحو 4.2%، إلا إن السوق السعودي ارتد ضعيفا (بشكل مماثل لسوق البحرين والكويت) ولم يتمكن سوى من ربحية 0.23%، رغم أن خسارته كانت الأعلى على مستوى كافة أسواق الخليج... فلماذا هذا الارتداد الضعيف؟ ألم تكن الأزمة مستوردة؟
موطن الخلل...الخسائر الكبرى
أصابت الأسهم الاستثمارية
رغم انتهاء أزمة الهبوط ورغم الاعتراف بأنها أزمة استوردها السوق السعودي من الخارج، إلا إن هذه الأزمة في حد ذاتها ربما أظهرت إلى السطح بعض مواطن الخلل في السوق، وربما وجهت الأنظار إلى بعض المشكلات التي بدأت تتفاقم من جديد، ألا وهي المبالغة في أسعار غالبية الأسهم الاستثمارية في السوق.. فهل يعقل أن يخسر كل من سابك والراجحي 24% خلال بضعة أيام فقط؟ وإذا كانت هذه هي خسائر الأسهم الاستثمارية القائدة في السوق، فماذا ننتظر ممن يقولون عنها أسهم الخشاش؟ بل إن الأزمة لم تلفت الأنظار فقط إلى المبالغة في أسعار الأسهم الاستثمارية القديمة التي قد يقول قائل إنها تجمدت لفترة طويلة وإنها كانت تستحق تحررا وكسب نسب مرتفعة لتعويض المستثمرين فيها عن الجمود والخسارة الكبيرة التي لحقت بهم.. ولكنها لفتت الأنظار إلى الأسهم الجديدة وغالبيتها أسهم استثمارية حقا، كثير من هذه الأسهم لم يتجاوز عمرها السوقي بضعة شهور، ولكن مع ذلك، لحقت ببعضها خسائر كبيرة أثناء هذه الأزمة (وصلت إلى 26% للمتقدمة ونحو 25% لكل من ينساب وسبكيم وكيان، و20% لجبل عمر).. إن الأمر يحتاج لوقفة لاستكشاف مواطن هذا الخلل، لعلاجها في ضوء استمرار إصلاحات السوق.
منتدى دافوس
إذا كانت السياسة غلبت الاقتصاد في المنتدى السابق لدافوس في 2006، إلا إن المنتدى الحالي يتوقع أن يناقش صراحة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي، وربما يضيف بعدا سلبيا جديدا قد يكون مثبطا لكافة أسواق المال العالمية إذا لم يتفق الساسة والاقتصاديون حول آلية موحدة لوقف تحور الركود الأمريكي إلى كساد عالمي.
تفاؤل بتحسن حالة السوق المحلي.. ما لم يتدخل صناع السوق سلبيا
إن التوقع عن ما سيؤول إليه تداول يوم غد السبت يكاد يكون أمرا صعبا، فإما يستجيب السوق للتعافي، ومن ثم يبدأ في الارتداد الحقيقي وتعويض خسائره الكبيرة.. أو أنه يتمسك بموطنه الجديد.. وربما تظهر مبررات بأن داو جونز لم يتعافى وأن أزمة الركود الاقتصادي ستعم وستهرب أموال المستثمرين.. ولكن أي مستثمرين هم الذين نخاف من هروب أموالهم من السوق المحلي؟ وإلى أين ستهرب هذه الأموال؟ إن أولئك المستثمرين الأجانب هم غير موجودين حتى الآن بالسوق المحلي إلا في أضيق الحدود.. وتهاوي أو هبوط أسواق المال الأمريكية أو الآسيوية في حد ذاته يعتبر محفزا للسوق السعودي، حيث إن هذا الهبوط سيجبر الأموال السعودية والخليجية المستثمرة في هذه الأسواق إلى العودة والتقوقع في السوق السعودي من جديد.. الذي بعيدا عن التأثيرات المحلية يفترض أن يشهد طلبا مرتفعا نتيجة السيولة السعودية والخليجية العائدة، وبالتالي يفترض أن يعطي المؤشر دفعة إلى ما فوق مستواه قبل الأحد الأسود... بلا شك أن العوامل الخارجية تسير في صالح السوق السعودي، وتسير في صالح اكتتاباته الجديدة مع أن حجم السيولة المنتظر للسوق سيفوق حجم العرض من الأسهم، وبالتالي فإن هذه الأسهم ستشهد تضخما فادحا من جديد أو على الأقل مبالغة في أسعارها... بالتحديد، إذا عاود المؤشر مساره الصاعد، فإنه يكون قد سلك مساره الطبيعي... في حين أنه إذا استكمل هبوطه فإنه يكون قد سلك المسار الذي يرغب فيه صناع السوق، بما يدلل أن السوق قد أنهى دورة الاحلال الاستثماري في حصص المؤسسين.. تلك التي قام الصناع بخلق هذا المسار الصاعد من أجلها.
أخيرا، فإننا نتوقع أن يشهد السوق السعودي زخما ملموسا حال انتهاء أزمة أسواق المال العالمية، في حين نتوقع أن يشهد زخما أعلى.. وطفرة في السيولة حال استمرار هذه الأزمة نتيجة أن مثل السوق السعودي وقلة أخرى من الأسواق ستصبح المأوى الآمن لهروب رؤوس الأموال إليها، وبخاصة رؤوس الأموال السعودية والخليجية.
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com