إن استغلال العقول يعد المصدر الحقيقي والفاعل لتحقيق التنمية المتكاملة، ومن هنا تتطلع كثير من الأمم إلى الرقي والتقدم في عصرنا اليوم من خلال استثمار عقول أبنائها، سعياً للمنافسة والتسابق مع الأمم الأخرى في كافة المجالات، لأن العلم والمعرفة.....
.....هما طريقا النهوض وتحقيق التنمية والطموح. ولقد اهتمت المملكة العربية السعودية منذ زمن بقضية التعليم وتوفيره لجميع أفراد المجتمع، سعياً للأخذ بأسباب التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يمكن أن يساعد في تحقيق التطور والنماء في ميادين كثيرة.
وقد اهتمت الدولة بالابتعاث كأحد أهم الأساليب التي ساعدت في سد حاجات المجتمع وتوفير الكوادر الوظيفية والعلمية المختلفة التي تحتاجها البلاد في مسيرتها التنموية، حيث تم التركيز على الإفادة من تجربة الدول المتقدمة والمتميزة علمياً وصناعياً وحضارياً. وزاد الاهتمام بالابتعاث؛ نظراً للحاجة إلى التطور والتوسع في مجال التعليم والحاجة إلى الاستفادة من الدول المتقدمة علمياً وتكنولوجياً؛ حيث قامت وزارة التعليم العالي بتنظيم الابتعاث من خلال وضع لوائح وأنظمة متعددة لتيسير أموره، وإتاحته لأبناء وبنات وطننا الغالي.
ولا يزال الابتعاث يشكِّل رافداً رئيساً لدعم وتطوير الكفاءات الوطنية في مختلف التخصصات وتأهيلها، حيث نرى جميعاً في هذه الأيام حركة الابتعاث تسير بشكل منتظم من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، الذي تتولاه وتشرف عليه وزارة التعليم العالي بإدارة واعية ومقتدرة ومنظّمة. كما نلحظ بجلاء الإقبال الكبير من مختلف شباب وشابات المجتمع للتقديم في هذا البرنامج، سعياً للحصول على مقعد يتيح الدراسة في إحدى الدول المتقدمة للانطلاق في فضاءات العلم والمعرفة والغوص في بحورها.
وإذا كان الكثير يتسابقون إلى الدراسة في تلك الدول، فإن هناك للأسف بعض المعيدين والمحاضرين في الأقسام العلمية في بعض الجامعات يحجمون عن الابتعاث لإكمال دراساتهم العليا في البلدان المتقدمة علمياً وثقافياً. ويحتج هؤلاء بحجج مختلفة، حيث يتعذّر بعضهم بالظروف الأسرية، وبعضهم بالظروف العالمية المختلفة بعد أحداث سبتمبر، وبعضهم يرى أن برامج الدراسات العليا موجودة في الجامعات السعودية، ومن ثم فلا داعي للغربة والسفر! وهنا أريد أن أؤكّد أن وجود البرامج الجامعية في جامعاتنا لا يعني إيقاف حركة الابتعاث، وبخاصة للمعيدين والمحاضرين الذين سيتولون التدريس في الجامعات لاحقاً، ثم إن هذا لا يعني على الإطلاق التقليل من جامعاتنا، بل إنها تخرّج أعداداً متميّزة في كثير من التخصصات، لكن لا بد من التنويع في مصادر وطرائق تلقي المعرفة.
إن ابتعاث المعيدين والمحاضرين - من وجهة نظري - أولى من غيرهم، لأنهم بحاجة للاطلاع على الثقافات الأخرى، ثم إنهم أكثر نضجاً في التعامل مع تلك الثقافات، مما يمكّنهم من فهم العلوم ونقلها بصورة أدق؛ لأن العالم أصبح قرية واحدة في ظل الانفتاح الإعلامي من خلال الإنترنت والفضاء. ومن هنا أقترح أن تشترط الأقسام العلمية - في بعض التخصصات - على هؤلاء ضرورة التنويع في الدراسة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وإذا لم يكن ذلك ممكناً، فإنه لا بد أن يلزم هؤلاء بدراسة اللغة الإنجليزية خارج المملكة، ليتمكنوا من الاستفادة من الدراسات والأبحاث الأجنبية في رسائلهم وفي أبحاثهم وتجاربهم العلمية الأخرى بعد الحصول على المؤهل العلمي. وأقول بصراحة: إذا لم يتلق المعيدون والمحاضرون في الجامعات السعودية دراساتهم في جامعات مختلفة، فإنه سيكون لدينا نسخة مكرورة للأستاذ الجامعي!
وأخيراً، تحية للقائمين على الابتعاث، ودعاء حار لزملائنا المبتعثين في مختلف الدرجات العلمية بالتوفيق والنجاح والعودة بسلام للمساهمة في خدمة وطننا الغالي المملكة العربية السعودية.
أستاذ المناهج المشارك بجامعة الإمام
alelayan@yahoo.com