اشتهر الشيخ رحمت الله بالمناظرة مع القساوسة في الهند، وخاصة مع أشرسهم وأكثرهم كذبا وعنادا وذكاء، وأقواهم عند جماعته حجة، ويتعالى بذلك، ولكن الله هيأ له عالما من علماء الهند أكثر منه اطلاعا، وأسرع بديهة ويشبهه بعضهم بأحمد ديدات،....
.....في القدرة على مناظرة كبار رجال الكنيسة، فأحمد ديدات، مع مجموعة أفحمهم حتى انتصر عليهم، وفي مقدمتهم القس سوكر، الذي انهزم أمامه هزيمة نكراء، .....
وفضحه عند بني جنسه، والشيخ رحمت الله مع القس الدكتور (فندر).
وقد علت مكانة هذين الشيخين، وهما من الهند، وكان في هذا نصر للإسلام.. وإن من الواجب على كل مسلم، أن يكون جنديا مستعدا للمواجهة، في الدفاع عن دينه، وخاصة مع أهل الكتاب، الذي ديدنهم وضع الشبهات، وبذل الجهد لوضع الأكاذيب، على المسلمين، وخاصة على الشباب، الذين أفئدتهم خاوية، وحصيلتهم من علوم الإسلام: بضاعة مزجات، لعلهم يظفرون بشبهة، تبلبل الأفكار أو نقد يلقى أذنا صاغية.. ولا يكلون ولا يملون في سعيهم وحجهم، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (عجبت لأهل الباطل وتمسكهم بباطلهم، ولأهل الحق ونكوصهم عن حقهم).. ولذا يخشى المسلم الحريص على دينه: من تسرب الوهن الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفشيه في أمته، وهو: من حب الدنيا وكراهية الموت.
والله سبحانه وتعالى قد أخبر عن عداوتهم في سورة المائدة، عدة مرات وفي الآية 82، والآية 51، وفي سورة البقرة يقول سبحانه: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(الآية: 120).
وكتاب المناظرة الكبرى بين الشيخ رحمت الله، والدكتور فندر، قد أصبح من أشهر كتب المناظرات، بين الإسلام والنصرانية وقد ترجم لعدة لغات، منها اللغة العربية، وبين يدي نسخة باللغة العربية الطبعة الثانية عام 1412هـ، نشر دار ابن تيمية بالرياض، وتقع في 537 صفحة من القطع الكبير.
يقتضي الأمر التعريف بالشيخ رحمت الله بن خليل الكيرا نوي العثماني حيث أثبت نسبه في ص29 متسلسلا إلى: عمر بن عثمان بن عفان الخليفة الثالث الراشد رضي الله عنه، في الجد الرابع والثلاثين.
ولد في غرة جمادى الأولى سنة 1233هـ - الموافق لعام 1818م، في عائلة اشتهر أفرادها: بالعلم والطب والمناصب العالية في الحكومة، ومن أجداده الحكيم (الطبيب) عبدالكريم - الملقب شيخ زمان، ولما مرض الإمبراطور جلال الدين محمد أكبر، المولود عام 1556م، ولم يحسن الأطباء علاجه، طلب الحكيم عبدالكريم، فاشترك مع ابنه الحكيم: محمد حسن في معالجة الإمبراطور، ولما شفاه الله على أيديهما، منحهما أرضا زراعية واسعة، بمقاطعة كيرانه بمرسوم سلطاني مؤرخ في ذي القعدة عام 915هـ، ولقب عبدالكريم بشيخ الزمان واتخذه طبيبا له خاصا.
ففي هذه الأسرة التي نالت الشهرة في العلم والطب، والمكانة الاجتماعية الكبيرة، ولد الشيخ (رحمت) بن خليل، وتزوج ابنة خالته عام 1256هـ، لكنه لم ينجب أولادا ذكورا (31-32).
ثم يقول: وقد اشترك في الثورة ضد الإنجليز، واختفى عنهم مع بعض المجاهدين في إحدى القرى، وتعاون معه الأهالي في الاختفاء، مما اضطره إلى تغيير اسمه إلى (مصلح الدين) فركب زورقا (إلى مخا) باليمن حتى لا ينكشف عند الإنجليز، الحاقدين عليه في مناظرته مع القس أكبر منصر في الهند (فندر) ولقيادته الثورة ضدهم.
ومن (مخا) سافر براً إلى مكة المكرمة، فوصلها بعد سنتين سنة 1274هـ - 1859م مهاجرا إلى الله (36-37).
ويقول عمر عبدالجباري المناظرة: في عام 1270هـ، عقد الشيخ رحمت الله اجتماعا حضره كبار علماء الهند، والمسيحيين لمناظرة أكبر قسيس وهو (فندر) رئيس البعثة التبشيرية بالهند، فما زال يناظره بالبراهين العقلية، والحجج النقلية، حتى أفحمه وهزمه، شر هزيمة، فسر المسلمون لنصره، وغضب الإنجليز على (فندر) فأقالوه من رئاسته، فلجأ إلى استانبول، وطلب من السلطان عبدالعزيز التوسط لدى الإنجليز بالعفو عنه.
وصادف أن الإنجليز بعد ثلاثة أعوام من هذه المناظرة، زحفوا على الهند عام 1273هـ - 1857م، فأبادوا حكومتها الإسلامية، وشردوا رجال الدين، فثار الشيخ رحمت الله، ضدهم وأعلن الجهاد، ولما فشل ضدهم، صادرت الحكومة الإنجليزية: أمواله وعقاره، وخصصت جائزة لمن يأتيها برأسه لكنه هاجر إلى مكة.
وكان السلطان العثماني: عبدالعزيز، قد كتب لأمير مكة الشريف عبدالله باشا، يطلب منه الاستفسار عن الحجاج الهنود، عن حقيقة مناظرة الشيخ رحمت الله، للقسيس (فندر) وعن الحوادث التي جرت على أثرها بالهند.
فكتب إليه الشريف عبدالله للسلطان عن ذلك، وعن التجاء الشيخ رحمت الله بمكة، فطلب السلطان حضوره إلى استانبول، ونزل بالقصر (الهمايوني) وما أن علم (فندر) بوصوله، إلا وهرب خوفا من مناظرته، وإفحامه، فلما علم السلطان عبدالعزيز بهروب القسيس، أعاد الشيخ رحمت الله إلى مكة، بعد أن أكرمه، ثم بنى الشيخ له ولأسرته دارين بالخندرية (دروس من ماضي التعليم وحاضره بالمسجد الحرام ص95).
وقال مؤلف كتاب المناظرة: ولما رأى الشيخ رحمت الله، أن الدراسة تقتصر في المسجد الحرام وليس لها منهاج ثابت، والمدرسون لا يتعدون العلوم الدينية واللغة العربية، أراد إدخال علوم جديدة في مكة: كالهندسة والرياضيات وعلوم المناظرة، والعلوم الفلكية، وأحضر الكتب من الهند، وكان يوما مشهورا، في تاريخ التدريس في المسجد الحرام، عندما أخذ الشيخ رحمت الله، يدرس كتاب حجة الله البالغة، في حكمة التشريع، وشرح الجغمين في علم الفلك، ومقدمة ابن خلدون، وقد فصل في تدريسه، بين علمي النحو والصرف، بعد أن كانا يدرسان معا، وكان يدرس كل هذه العلوم في داره، حتى تخرج على يديه كثير من العلماء والقضاة، وكبار الموظفين، الذين كان لهم دور كبير، فيما بعد في تاريخ مكة والجزيرة، وأسس المدرسة القولتيه بمكة. (للبحث صلة).
محمود زنكي:
كان تركيا سلجوقيا، ولد بحلب عام 511هـ، أظهر ببلاده السنّة، وأمات البدعة، وأمر بالتأذين بحي على الصلاة، حي على الفلاح، ولم يؤذن بهما في دولتي أبيه وجده، وإنما كان يؤذن بحي على خير العمل، وأقام الحدود وفتح الحصون، وكسر الفرنج مرارا.
ذكر ابن الأثير أن الملك محمود، بينما هو ذات يوم، يلعب بالكرة، إذ رأى رجلا يحدث آخر، ويومئ إليه فبعث الحاجب ليسأله ما شأنه؟ فإذا هو رجل معه رسول من جهة الحاكم، وهو يزعم أن له على نور الدين محمود زنكي، حقا يريد أن يحاكمه عند القاضي.
فلما رجع الحاجب إلى نور الدين، وأعلمه بذلك، ألقى (الجولكان) من يده، وأقبل مع خصمه عند القاضي ماشيا، والقاضي هو (الشهر زورى) ثم أرسل إليه قائلا: لا تعاملني إلا معاملة الخصوم.
فحين وصل، وقف نور الدين محمود زنكي، مع خصمه بين يدي القاضي، حتى انفصلت الخصومة، وانتهت المحاكمة، ولم يثبت للرجل على نور الدين حق.. بل ثبت الحق للسلطان على الرجل.
فكما تبين ذلك للسلطان، قال: إنما جئت معه لئلا يتخلف أحد عن الحضور إلى الشرع، إذا دعي إليه، فإنما نحن معاشر الحكام، أعلانا وأدنانا: خدم وحراس لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولشرعه، فنحن قائمون بين يديه، طوع مراسيمه، فما أمرنا به امتثلناه، وما نهانا عنه اجتنبناه، وأنا أعلم أنه لا حق للرجل عندي، ومع هذا أشهدكم أني قد ملكته ذلك الذي ادعى به ووهبته له.
وقد كانت زوجته عصمت الدين خاتون، بنت معين الدين، تكثر القيام في الليل، فنامت ذات ليلة عن وردها، فأصبحت وهي غضبى، فسألها نور الدين عن أمرها، فذكرت نومها، الذي فوت عليها تهجدها ووردها، فأمر عند ذلك، بضرب (طبلخانة) في القلعة، وقت السحر لتوقظ النائم، ذلك الوقت لقيام الليل، وأعطى القائم على (الطبلخانة) أجراً جزيلاً، وجراية كثيرة (البداية والنهاية لابن كثير 12-371).