لا يمكن أن تكتشف ما تمتلكه من مواهب وقدرات وصفات ما لم تتعارك مع المواقف والظروف، فلا الشجاع يستطيع أن يتباهى بشجاعته ما لم يتعرض لموقف أو ظرف يفرض عليه إظهار ما يمتلك من شجاعة وجسارة، ولا الذي يدعي الحلم أو الحكمة وغيرها مما يتباهى الناس به يستيقن إنه كذلك ما لم تختبر الظروف والمواقف ما يدعيه لتؤكد امتلاكه لما يدعي أو تنفيه الظروف وحدها هي التي تستطيع أن تؤكد وتعزز امتلاك شخص لصفة أو لقدرة يدعيها من عدمه.

بلال مثلاً رضي الله عنه وأرضاه علمنا صدق إيمانه وقوة عزيمته عندما أن الحجر فوق صدره العاري من صبره وثبات قلبه على ما آمن به، هذا الموقف أزعم لو أنه لم يمر على بلال لما عرف بلال نفسه مقدار ما يملكه من صبر وثبات على دينه، ونبي الله يوسف عليه السلام وهو يتعرض لإغراء امرأة ذات مال وجمال عزز في نفوسنا مقدار ما كان في نفسه من ثبات على هدى ربه وخوف منه وحياء، ولولا تعرض يوسف عليه السلام لهذا لما علمنا ما أظهره هذا الموقف وما ترتب عليه من مواقف ما يملكه عليه السلام من ثبات وقدرة اقتصادية فذة، وهكذا لا يمكن أن نحكم بصدق ما نسمعه عن الناس ما لم يتعرض من يتباهى أو يقول ويدعي أمراً لموقف يفرض عليه إظهار صدق ما يدعيه، المواقف والظروف خصوصاً التي لا نحب ولا ترضينا هي التي تظهر حقيقة ما نملكه فالحب والخوف والجسارة والغباء وغيرها لا يظهر مقدارها في نفوسنا غير مواقف تختبرها فينا، فالتي تتغزل في زوجها الثري الذي يغدق عليها بالمال والجاه لا يمكن أن نصدق حبها له ما لم تتعرض لظرف يقيس مقدار ما تدعيه، والذي يدعي حرصه على صلة الرحم والتسامح وغيرها من الصفات الحميدة ويدعو الناس لها، لا يمكن أن نحكم على صدق ما يدعيه ما لم تختبره المواقف والظروف، وانظروا لحال الناس - أغلبهم - تظهر لنا المواقف والظروف التي تجمعنا بهم المسافة الكبيرة التي تفصل بين ما يظنونه في أنفسهم وما يدعونه ويتبنونه من قيم ومفاهيم وبين حدود تطبيقهم وإظهارهم لما يدعون، والتي تؤكد أن الناس في غالبيتهم لا يعرفون حقيقة أنفسهم وما يملكونه من صفات عندما تغيب الظروف الصعبة عن حياتهم فلا يحتكون بها ويواجهونها فيختبرون فيهم صدق ما يظنونه في أنفسهم.. والله المستعان.