بدا الإعلام المصري يضيق بكل شيء من حوله بعد أن كان يتسع لكل شيء في زمانه الذهبي. أطنان من الاحتقان يحاول الإعلام وخصوصاً المعارض منه أن ينفثها صباح مساء في سماء مصر الثقافة والفن والعلم.. يبحث عن الحوادث المثيرة فيحلها إلى موضوعات يقتات عليها فمثلاً إذا وقعت حادثة في الكويت قام فيها محقق بمعاملة متهم مصري وأساء معاملته فإن تلك تصبح في الإعلام المصري قضية وطنية وقضية كرامة لكل المصريين ويتعرض فيها المسؤولون المصريون للوم لماذا لم يتخذوا أقسى الإجراءات؟! مع أنها حادثة جنائية فردية يفترض ألا يتدخل فيها الإعلام الهادف للإثارة على حساب الحقيقة لرفع وتيرة الشحناء بين الشعوب العربية هذا مع أن العرب في مصر يتعرضون لكثير من الحوادث التي تبقى في نطاقها سواء كانت قضية جنائية أو مرورية أو غيرها ولم يحدث أن إعلاماً لدولة عربية أقام البرامج الحوارية المباشرة وأفرد الصفحات (الصفراء) بسبب تعرض مواطن عربي لحادثة من أي نوع في مصر! وعندما يقوم زعيم عربي بالوساطة لحقن الدماء بين فريقين متناحرين فإن تلك القضية تتطلب النواح والصياح والبكاء على الدور المصري الذي بدا أن هناك من يقوم به! وعندما يقوم ممثل سوري ببطولة مسلسل مصري فإن ذلك مدعاة للعزاء والرثاء لدور مصر الفني الذي استولى عليه الغرباء مع أن الفن في مصر قام على أيدي سوريين ولبنانيين ويفترض ألا حدود للفن!
وعندما تكتب كاتبة مصرية مسلسل تتحرى فيه الدقة لشخصية مصرية هي الملك فاروق وتنتجها وتبثها محطة سعودية فإن ذلك يصبح فقط لهدف تمجيد النظام الملكي على حساب النظام الجمهوري!! وعندما تدهس طالبة سعودية في القاهرة مواطناً مصرياً وسائحاً أذربيجانياً في حادث مروري يحدث في أي بلد فإن تلك أيضاً تصبح قضية وطنية وليست حادثة سير ليست أكبر لا من حادثة العبارة ولا القطارات ولا سقوط العمارات ولكنها لغرض في نفس يعقوب تتحول إلى قضية يغمز فيها ويلمز مما دعا الفتاة السعودية للتصريح بأنها سوف تقوم بمقاضاة صحيفة (المصري اليوم) التي تعمدت قذفها وإن كنت أرى أن ذلك يفترض أن يكون دور السفارة والملحقية الثقافية التي وإن بذلت جهوداً مشكورة في قضية أعطيت أكبر من حجمها وتحملت فيها السفارة الكثير من الإعلام الذي لم يكن أبدا يبحث عن الحقيقة!
من ناحية أخرى يقوم كاتب السيناريو أسامة أنور عكاشة قبيل إعلان إفلاسه بالغطس في بركة ثقافته الضحلة ليتهم الشركات السعودية والخليجية في كل محفل بالمسؤولية عن تدني الفن في مصر، وآخر صرعاته العجيبة هو تزعم إحياء دعوات الفرقة التي تدعو من جديد إلى أن المصريين مصريون والعرب عرب ولا يجتمعون!
الإعلاميون والمثقفون المصريون لم تعد تتسع صدورهم بأي تفوق عربي في السياسة ولا الثقافة ولا الفن، ولكن من يعرف التاريخ يعرف أن له دورة اثر أخرى وإذا كانت الآن هناك دول تنهض فنياً أو ثقافياً أو غير ذلك فهذا من حقها ومن المفترض ألا يغضب ذلك الأخوة الإعلاميين ولا المثقفين المصريين ويجب أن تتسع صدورهم فمصر أم العرب هكذا عرفناها ويفترض أن تبقى كذلك لكن الانتقاص من العرب بسبب تفوقهم فهذا أمر غيب يتناقض مع كل أهداف الجامعة العربية التي تحتضنها مصر والتي تدعو إلى التعاون العربي والتكامل العربي في جميع المجالات!.
من يقرأ الصحف المصرية وخصوصاً المعارضة منها يجدها لا تبخل على السعوديين بإفراد المقالات الغامزة لهم من أشباه الصحفيين حتى قبل الحادثة المرورية بزمن بعيد، والتي تهدف إلى تعكير الأجواء والانتقاص من روابط الأخوة المتينة التي تجمع شعبين عريقين تجمعهما الكثير من صلات القربى والعلاقات الأخوية، وختاماً إذا كانت حادثة مرورية تحدث في شوارع القاهرة تصبح قضية كرامة فهذا بحسب رأيي امتهان للكرامة المصرية التي يزج فيها في كل قضية حتى لو كانت حادثة سير عادية!.
alhoshanei@hotmail.com