في الأسبوع الماضي قامت المؤسسة القضائية لدينا بإصدار عدد من الأحكام التي تشهر سيف العدالة الصارم ضد مَنْ سعوا في الأرض فساداً، وضد مَنْ تربصوا بأجمل مخلوقات الله أجنحة المستقبل وأحلام الغد، فقد اقتص سيف القضاء الباتر ممن اختطف روح (غصون) الغضة وهي تخطو خطواتها الأولى نحو الحياة في مكة المكرمة، والحكم الثاني هو تنفيذ الحق الخاص ضد معذبة الطفلة (رهف) في الطائف، والحكم الأخير - بحسب ما نُشِرَ في جريدة عكاظ - التي أشارت إلى قاضٍ قد حكم بخمسين جلدة على امرأة قامت بتعذيب ابنة زوجها التي تبلغ من العمر (خمس سنوات) من خلال حشو فمها بالفلفل الأحمر.
هذة الأحكام القضائية الصارمة لعلَّها تكون اللبنة الأولى نحو استقلالية المحاكم الأسرية الخاصة بالأسرة والأحوال الشخصية، ونحو المزيد من التنظيم لآلية المحاكم وعملها واتصالها بالمؤسسة العدلية بشكل أشمل.
أيضاً لعلها أحكام تأخذنا خطوةً أكثر اتساعاً واقتراباً من (تقنين الشريعة)، ووضع القوانين والأنظمة المنطلقة من الشريعة الإسلامية كمرجعية ضابطة ومنظمة بحيث تقلص الأحكام المبنية على التخمينات والاجتهادات الشخصية، وتفاوت الأحكام بين المدارس الفقهية الشاسعة الواسعة عبر العصور الإسلامية.
فعلى سبيل المثال في قضية الطفلة (غصون) التي فجعت المجتمع لجورها وبشاعتها، كان لها إرهاصات ومؤشرات سابقة، انطلقت من القضاء نفسه مع الأسف، فالأب المختل المضطرب نفسياً، كان عنيفاً متوحشاً وقد سبق أن قذف بوالدتها من الطابق السكني الثاني، عندما كانت تحملها بين أحشائها (بحسب ما أوردته الصحف)، وكان يسوم أمها العذاب والتهديدات المستمرة أثناء فترة حضانتها لها، ويلوح بأنه سينتقم منها من خلال طفلتها، وعلى الرغم من جميع المؤشرات المرعبة لدى الأب...... حكم له القاضي بحضانتها وهي ابنة سبع سنين فاختطفت من أمان حضن أمها وأُلقي بها بين فكي بيت متوحش فتك بها.
أيضاً على الرغم من الشكاوى المتعددة التي كانت ترفعها الأم والخال إلى عدد من الجهات المعنية، إلا أنه لم يكن هناك من تحركٍ سريعٍ وعاجل لانتشال الطفلة من بين يدي ذئبينِ متوحشين.
كم طالبتُ وسأطالبُ, وطالبَ غيري كثير، بأن يكون هناك خط ساخن يُؤسس بالتنسيق مع الجهات الأمنية، لإنقاذ الطفولة المنتهكة والمستهدفة، وكم نادى الجمع أنْ تقومَ وزارةُ الشؤون الاجتماعية بالمزيد من الضبط والتنسيق في هذا المجال، ولكن مع الأسف القوانين ما برحت غامضة مهلهلة وغير معروفة أو متاحة للجميع، بينما تَحَفُّظُ المجتمعِ وطَابِعُهُ الحَذِرُ يخبئ خلف الجدران والأبواب المغلقة الكثيرَ من الكوارث والمصائب التي تستهدف الطفولةَ، وتستهدف مخلوقات ليس لهم حول أو قوة، أو أدنى قدرة لدفع الشرور والأذى عن أنفسهم.
لا بد أن يكون هناك تحرُّك حاسم وفوري ومتاح للجميع، لسنا بحاجة إلى أن نسمع المزيد من القصص والحكايات المؤلمة المرعبة، يكفينا غصن واحد انقصف، فلنحافظْ على الشجرة.