كنت في التاسعة من العمر أو هي تزيد قليلا حينما حمّلني والدي (الصلف) ما لا يحتمل الطفل إذ شدّ لي بطان (الذلول) وسوّى (الشداد). ثم ناولني بندقية قديمة من البنادق ذات الاصبع الواحدة ووضع بها طلقة أو طلقتين لا أكثر وقال لي: اسمع: إياك أن تخسر طلقة واحدة إلا إذا كنت في دفاع عن العمر أفهمت، ثم (هاك) هذه الصُرة من (الدراهم) وأوصلها إلى (عقايل بن الحزقاء)، وقل له (حفار ودفان على كل ما خفي وبان).
***
حقيقة لم أعرف فحوى الرسالة حتى الآن ولكنني حسب أمر والدي ركبت الذلول وسرت إلى السيد (عقايل الحزقاء) الذي تبعد مضاربه عن مضاربنا مساحة عشرين كيلا كما أقدر الآن.
***
حقيقة كنت خائفاًَ ومرتجفاً ولكنني لا أريد أن أبيّن ذلك لوالدي (الصلف) لكي لا يُسقطني من عداد الرجال، كما هو عُرف القبيلة ولذلك (حزمت ضلوعي) على الخوف وانطلقت في مجاهل الصحراء.
***
في بداية الرحلة كانت الذلول (الناقة) (تُدرهم) أو هي تهرول ثم أخذت (بالخبيب) ثم تراخت أذرعها وصارت تمارس سيرها الاعتيادي البطيء ثم (شوشت) وتوقفت وأحسست أن ثمة شيئا أراع الذلول.
***
تلفتت ذات اليمين وذات الشمال وقد كان القمر يتدحرج وهو يصعد درجات السماء، فلمحت ذئبا يدنو ويبعد عني ويُخاتلني كما هو سلوك الذئاب، تذكرت أن الذئاب قد تصادق الإنسان ولكنني كنت أرتجف من شعر رأسي حتى أخمص قدمي وأصبت برعب شديد في أول مواجهة للذئب.
***
تذكرت أنني أحمل بندقية (أتأبطها) تحت (فروتي) وأن أبي قال لي لا تطلق الرصاص إلا إذا كنت في دفاع عن العُمر لأن الرصاصة غالية في ذلك الزمان.
***
كان الذئب (يهرف) بالقرب مني وأحيانا يمارس حركاته البلهوانية أمام (الذلول)، وكنت أصرخ فيه بصوتي المرتجف كما كنت أصرخ على الكلاب.
هكذا: الخلأ أعقب.. ولكنه ظل يلازمني كالظل، كان الذئب يبتعد كلما صرخت به ويدنو كلما صمتت.
آنذاك تناولت البندقية وصوبتها نحوه وأطلقت طلقة واحدة كما وصاني والدي ولكنها لم تصب الذئب الذي راح يجري بعيداً بسرعة البرق مبتعداً عني، ولم أعد أسمع إلا عواءه البعيد في شعفات الجبال، تحية إلى ذلك الذئب البعيد لأنه علمني كيف أقاوم الخوف!!