رحم الله الشيخ صالح العلي العجروش رحمة الأبرار وأسكنه فسيح الجنان، فقد كان الأب، وكان الأخ، وكان المعين بعد الله، وكان الموجه وكان الحبيب وصاحب المواقف التي لا تنسى أبداً. لقد تشرفت بالعمل تحت قيادة هذا الراحل أكثر من عشرين عاماً في جريدة الجزيرة ومع السند والأخ والحبيب خالد المالك الذي دفعت ضريبة حبي وعلاقتي معه في ظروف يعرفها الجميع.
في عهد هذين الشخصين كانت الجزيرة مدرسة، بل جامعة بكل ما تحتويه هذه الكلمة، ضمت العديد من الأساتذة والمفكرين والمواهب الصحفية وكان هذان الشخصان هما ربانا هذه السفينة الناجحة التي لم يرق لكثير من الحاقدين والحاسدين نجاحها بل واستمرارها.
كان الشيخ العجروش رحمه الله ومعه أبو بشار يشجعان المواهب من أبناء هذا الوطن سواء في الإدارة أو التحرير. كانا لا يفرقان بين من يعمل في الإدارة وبين من يعمل في التحرير كان همهما الوحيد فقط هو نجاح (الجزيرة) وما عدا ذلك لا يلتفتان لشيء سواه في الوقت الذي كان فيه الصراع والتطاحن على أشده بين الإدارة والتحرير في كثير من الصحف الأخرى. هذا الوفاق جعل من (الجزيرة جريدة ناجحة في ذلك العهد بكل المقاييس وقبل أن تهب عليها رياح التغيير المؤسفة التي جعلت بريق هذه الجريدة يخفت وأدى إلى انخفاض التوزيع بشكل كبير جداً وانخفاض في حجم الإعلان وفي المقابل زيادة كمية الأعداد المرتجعة نتيجة لعدم الإقبال عليها لعزوف القراء عن شرائها وانعكس ذلك على حجم الإعلان وتوقف بعض التجار عن الإعلان في الجريدة عندما شعروا بعدم انتشارها كما كان في السابق الأمر الذي أقلق أعضاء المؤسسة. ثم ما لبثت أن عادت الجريدة إلى سابق توهجها بعد عودة رُبانها وفارسها واستأنفت مسيرة النجاح من جديد.
عفوا لهذا الشطوح فالحديث كان عن الراحل الماهر الذي قاد هذه السفينة في جو من الألفة والمحبة والوئام بين جميع العاملين من كافة المناطق ذلكم هو الشيخ صالح العلي العجروش رحمه الله.لم أسمع طوال فترة عملي مع هذا الرجل أنه فصل أحداً وخصم على أحد بل كان رحمه الله يتوسط لأحد المحررين الذين تم الاستغناء عنهم في مكتب المؤسسة بجدة لظروف خاصة جداً وكانت الحالة الوحيدة وكان رحمه الله يقول بالحرف الواحد (يا أبا عبدالله اللي ما يمشي اليوم يمشي بكرة عطه فرصة أخرى). هكذا كان يتعامل مع الآخرين وكان مكتبه مفتوحاً لجميع العاملين بالمؤسسة إدارة وتحريراً، كان لا يرد طلب أحد من العاملين أياً كان. فتح كثيراً من البيوت وساعد الكثير من العاملين، وكان رحمه الله يتوسط بنفسه في أي موضوع يخص أحد العاملين معه وقد يذهب بنفسه لقضاء حوائج من يتطلب قضائها.صالح العجروش رحمه الله كان نموذجاً حياً للقيادة الناجحة لأكبر مؤسسة صحفية بالجزيرة العربية في ذلك الوقت.كان لي مع هذا الراحل مواقف إنسانية عديدة لا تنسى أبداً، وقف معي وشجعني وأعانني في كثير من الأمور كما هو ديدنه دون المساس بحق المؤسسة الذي لا يتسامح فيمن يخل بها أو بشيء من مكتسباتها.
استمرت علاقتي بهذا الراحل الكبير حتى بعد ما ترك المؤسسة، بل تقوت هذه العلاقة وتوطدت على مدى الأيام وكان التواصل بيننا مستمراً وكان آخر اتصال لي معه قبل يوم واحد فقط من وفاته في المستشفى، عبر ابنه فهد الذي طمأنني على صحة الوالد، واعتذر لي عن الحديث معه لأنه نائم على أمل أن أكلمه في اليوم التالي، لكن المنية كانت أسرع من الجميع.رحم الله أبا خالد وأسكنه فسيح جناته ولا أملك أن أقول إلا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
* مدير مكتب المؤسسة بجدة سابقاً